قال رئيس دولة فلسطين محمود عباس، إن مخططات وبرامج حكومات إسرائيل فشلت في إنهاء القضية الفلسطينية، وأن هذا الفشل لم يصل بعد إلى درجة تقتنع معها الحكومات الإسرائيلية أنه لا سلام مع الاحتلال، وأن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وحقوقه، وأن ما جرى عام 1948 لن يتكرر أبدا.
وقال سيادته، في كلمة وجهها لأبناء شعبنا في الوطن والشتات لمناسبة الذكرى السابعة والستين للنكبة، مساء اليوم الخميس، 'إننا بوعينا ووحدتنا سنتصدى للمؤامرات وللدسائس التي تحاك لتهميش قضيتنا الفلسطينية من خلال محاولات تمرير مشاريع مشبوهة مثل دولة في غزة، أو دولة ذات حدود مؤقتة'.
وأضاف سيادته أن قضية فلسطين لم تعد مختزلة بكونها قضية لاجئين، فالعالم من أقصاه إلى أقصاه يعترف بقضية فلسطين قضية تحرر وطني، وأن شعبها له الحق في تقرير المصير، وأن الاحتلال الإسرائيلي وكل ممارسته مرفوضة ومدانة ومخالفة للقانون الدولي، وأنه لا شرعية لكل ما تقوم به إسرائيل من استيطان، بما في ذلك القدس الشرقية التي هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 وهي العاصمة الأبدية والخالدة لدولتنا الفلسطينية المنشودة.
وقال إن الفعاليات الشعبية السلمية لمقاومة الاحتلال ومستوطنيه ستتواصل، مضيفا أن مقاومة الاحتلال تشمل تعرية وعزل السياسات الإسرائيلية وإدانتها وتقديم المسؤولين عما يرتكب من جرائم للمحكمة الجنائية الدولية، وبخاصة في موضوعي الاستيطان وما ارتكب من جرائم أثناء العدوان على قطاع غزة.
وأعرب سيادته عن فخر الكل الفلسطيني بما سيعلنه قداسة بابا الفاتيكان عن تطويب راهبتين فلسطينيتين، كأول قديستين في التاريخ المعاصر.
وجدد التأكيد على أن العودة للمفاوضات تتطلب ثلاثة أمور أساس، هي وقف النشاطات الاستيطانية، وإطلاق سراح الأسرى وخاصة الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ومفاوضات لمدة عام ينتج عنها تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال خلال مدة لا تتجاوز نهاية عام 2017.
وقال الرئيس إن الجواب لدى الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، 'ففي حال كانت الإجابة بمواصلة النهج السابق فإننا سنواصل بالمقابل توجهنا لتدويل الصراع بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد'.
وأكد سيادته أن إنهاء الانقسام يتطلب تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، وأن المزاودات والتكفير والتخوين جريمة بحق شعبنا وتمزيق لوحدة نسيجه الاجتماعي، كما أن المسؤولية تقتضي عدم تعريض حياة المواطنين للخطر والمغامرة بمصيرهم، بل البحث عن سبل توفير مقومات صمودهم وبقائهم في أرضهم.
وجدد الرئيس العهد والقسم أنه لا تنازل عن ثوابتنا الوطنية ولا مساومة عليها، و'بإذن الله وعونه سنعيد بناء ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وسنعزز الصمود والثبات في القدس والضفة الغربية، وسنرعى ونوفر الحماية والعون لأشقائنا في المخيمات وخاصة في مخيم اليرموك، وستبقى قضية إطلاق سراح أسيرتنا وأسرانا البواسل همنا الأول وشغلنا الشاغل، فهم الضمير الوطني ورمز التضحية والوحدة والصمود'.
وفيما يلي كلمة رئيس دولة فلسطين محمود عباس لمناسبة الذكرى الـ67 للنكبة:
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوات أيها الأخوة، يا أبناء شعبنا في الوطن والشتات،
نحيي اليوم ذكرى ليست ككل الذكريات، هي ذكرى بداية المأساة التي يعيشها شعب بأكمله منذ 67 عاما احتلت أرضه بغير حق، وشُرد في المنافي وديار الغربة ومخيمات اللجوء بغير حق، وأزيل اسم وطنه فلسطين من الخارطة الجغرافية والسياسية بغير حق، ومن المفارقات الغريبة أن النكبة عام 1948 جاءت بعد أعوام قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على الفاشية والنازية، ويوم كان المنتصرون يعلنون عن إقامة نظام عالمي جديد بإنشاء هيئة الأمم المتحدة وميثاقها، الذي يؤكد على حق الشعوب في تقرير المصير وعدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة، ورفض التمييز على أساس الدين أو العرق، ومبادئ سامية وعادلة أخرى، جرى للأسف التنكر لها جميعا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
كانت النكبة أكبر من زلزال مدمر، فالعالم آنذاك لم يكتف بعدم المبالاة تجاه مأساتنا، بل قدم دعما بلا حدود لقيام دولة إسرائيل، وقبل وتبنى روايتها بأن فلسطين صحراء وأرض بلا شعب لشعب بلا أرض، نستذكر السنوات الأولى بعد النكبة بكل مرارتها، مخيمات اللجوء منتشرة داخل ما تبقى من فلسطين وفي الدول العربية المجاورة، ثم اتفاقات الهدنة مع دولة إسرائيل دون إلزام لها بتنفيذ قرار التقسيم 181، أو قرار حق العودة للاجئين رقم 194، وذلك كله في غياب وتغييب من يمثل الشعب الفلسطيني.
كانت سنوات سادها وهم مفرط أحيانا، بأن العودة قريبة وأن هناك من سيحرر لنا فلسطين، ويأس قاتل أحيانا أخرى بالاستسلام للقدر، وبين هذا وذاك اختارت الأغلبية من أبناء شعبنا طريقا آخر هو عدم الاستسلام، فالفلسطيني لن يكون لاجئا في خيمة ينتظر مساعدة الآخرين، فتسلح بالعلم والعمل، وشاركت المرأة الرجل في تحسين أوضاع الأسرة الفلسطينية، فأثبتنا أن الشعب الفلسطيني شعب حي قوي الإرادة عصي على الذوبان، يكافح من أجل حياة كريمة وهو يحمل قضيته الساكنة في قلبه ووجدانه، ووجدان وقلب كل أشقائه وكل أحرار العالم.
أيتها الأخوات، أيها الأخوة...
بعد مرور 67 عاما على النكبة ما زال اللاجئ في الشتات يتحرق شوقا للوطن، ولا يزال المقيم يكتوي بظلم الاحتلال وجبروته وعنصريته، ولكن تحولات جوهرية حصلت، ففي ظل أصعب الظروف قامت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وانطلقت الثورة الفلسطينية التي فجرتها فتح عام 1965، واعترفت 138 دولة بفلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة عام 2012، لتصبح فلسطين عضوا في عدد كبير من المنظمات والمعاهدات الدولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية.
تحقق كل ذلك وغيره بفضل ما قدمه شعبنا من تضحيات وشهداء وجرحى وأسرى تجاوزت أعدادهم عشرات الآلاف، هم أولا وأخيرا أصحاب الفضل فيما أنجزناه وننجزه من مكاسب سياسية على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
إن قضية فلسطين لم تعد مختزلة بكونها قضية لاجئين، فالعالم من أقصاه إلى أقصاه يعترف بقضية فلسطين قضية تحرر وطني، وأن شعبها له الحق في تقرير المصير، وأن الاحتلال الإسرائيلي وكل ممارسته مرفوضة ومدانة ومخالفة للقانون الدولي، وأنه لا شرعية لكل ما تقوم به إسرائيل من استيطان بما في ذلك القدس الشرقية، التي هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وهي العاصمة الأبدية والخالدة لدولتنا الفلسطينية المنشودة.
إن مخططات وبرامج حكومات إسرائيل فشلت في إنهاء القضية الفلسطينية، فحسب رؤياهم لسنوات طويلة لا وجود للشعب الفلسطيني لأن كبار السن يموتون والصغار ينسون، وأن إعادة توطين الفلسطينيين في دول أخرى هو الحل الوحيد، هذا الفشل لم يصل بعد إلى درجة تقتنع معها الحكومات الإسرائيلية بأنه لا سلام مع الاحتلال، وأن الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه وحقوقه، وأن ما جرى عام 1948 لن يتكرر أبدا، أبدا، ونحن بوعينا ووحدتنا أيتها الأخوات والأخوة سنتصدى للمؤامرات وللدسائس التي تحاك لتهميش قضيتنا الفلسطينية من خلال محاولات تمرير مشاريع مشبوهة مثل دولة في غزة، أو دولة ذات حدود مؤقتة.
إن هذا يستدعي مواصلة كل الجهود لإنجاز المصالحة الوطنية، وطي صفحة الانقسام الأسود في قطاع غزة الحبيب، فتعزيز علاقتنا الوطنية وتمتين علاقتنا مع أشقائنا العرب، وحشد الدعم والتأييد الدوليين لقضيتنا، تشكل مطلبا أساسا لتحقيق أهدافنا بالحرية والاستقلال، وهنا نؤكد مجددا على موقفنا الثابت بعدم الانجرار إلى محاور، أو السماح باستخدام قضيتنا لخدمة أجندات خارجية إقليمية كانت أو غير إقليمية.
لقد اتخذنا موقفا معلنا منذ بداية أحداث ما يسميه البعض الربيع العربي، هو احترام إرادة الشعوب مطالبين في الوقت نفسه بتجنب وتجنيب الفلسطينيين المقيمين في هذه الدول التورط في الصراع الداخلي، وتحملنا في نفس الوقت مسؤولياتنا بتأمين أقصى ما نستطيع من مساعدات للأخوة للاجئين، وبخاصة في مخيم اليرموك وبقية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان، ونحن نألم لما آلت إليه الأوضاع بحق أبناء شعبنا في مخيم اليرموك.
أخواتي أخوتي الأعزاء...
موقفنا واضح وثابت، فعلى الصعيد الداخلي نحن نؤمن أن المستفيد الوحيد من الانقسام هو الاحتلال الإسرائيلي، وأن إنهاء الانقسام يتطلب تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، وأن المزاودات والتكفير والتخوين جريمة بحق شعبنا وتمزيق لوحدة نسيجه الاجتماعي، كما أن المسؤولية تقتضي عدم تعريض حياة المواطنين للخطر والمغامرة بمصيرهم، بل البحث عن سبل توفير مقومات صمودهم وبقائهم في أرضهم.
إن تمكين حكومة الوفاق الوطني من القيام بدورها في كل المجالات، بما فيها الأمني أيضا، سيمكنها من إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في قطاع غزة خلال حروبه الثلاثة منذ أن حدث الانقسام، وسيكون ذلك مقدمة للاستحقاق الأهم، وهو إجراء الانتخابات الرئاسية، والبرلمانية، والمجلس الوطني، ليقول الشعب كلمته الفصل، فهو صاحب الولاية.
وعلى صعيد مقاومة الاحتلال واستيطانه، ستتواصل فعاليات المقاومة الشعبية السلمية التي أحيي فرسانها من فلسطينيين ومتضامنين أجانب، كما أحيي الصمود البطولي لأبناء شعبنا في القدس زهرة المدائن وعاصمتنا الأبدية، الذين يتصدون ويواجهون كل أشكال الممارسات العنصرية لغلاة المستوطنين وحماتهم من أجهزة رسمية وأمنية إسرائيلية، تقوم يوما بعد يوم بتصعيد اجتياحاتها لساحات المسجد الأقصى وإجراء الحفريات التي تهدد أساسته، وهو ما حذرنا ونحذر من مخاطره لأنه سيقود لحروب دينية لن ينجو منها أحد.
إن مقاومة الاحتلال تشمل تعرية وعزل السياسات الإسرائيلية وإدانتها وتقديم المسؤولين عما يرتكب من جرائم للمحكمة الجنائية الدولية، وبخاصة في موضوعي الاستيطان وما ارتكب من جرائم أثناء العدوان على قطاع غزة.
الأخوات، الأخوة...
رغم كل الخلل في موازين القوى فإننا أقوياء بحقنا، أقوياء بثوابتنا وصمودنا على أرضنا وأقوياء بوحدة هذا الشعب المؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع، فخورون نحن الفلسطينيين، الكل الفلسطيني بما سيعلنه قداسة بابا الفاتكان عن تطويب راهبتين فلسطينيتين، كأول قديستين في التاريخ المعاصر وهما مريم بواردي وماري ألفونسن غطاس، أبناء عائلتين من مدينة القدس، فهل يعي الباحثون عن تزوير التاريخ أي معنى كبير لهذا الحدث؟، وهل يعون أن القداسة إيمان وعمل؟، فطوبى لروح القديستين من الأرض التي باركها الله عز وجل.
أيتها الأخوات، أيها الأخوة، في الوطن والشتات...
عندما نكرر رغبتنا والتزامنا بالوصول إلى حل سلمي للصراع عبر المفاوضات، فهذا يتطلب أن يكون هناك شريك إسرائيل يؤمن ويلتزم بمقومات عملية السلام، وهو ما لم يتوفر مع الحكومة الإسرائيلية السابقة التي أفشلت جهود الوزير الأميركي جون كيري باستمرارها بالاستيطان وعدم إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى، فتوقفت المفاوضات منذ ذلك التاريخ وحمّل المجتمع الدولي بأسره بما فيه الولايات المتحدة الأميركية المسؤولية لحكومة إٍسرائيل.
ويهمني أن أؤكد بأن موقفنا بشأن التسوية والمفاوضات واضح كل الوضوح، فنحن ملتزمون بحل يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي وقع عام 1967، وقيام دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين الفلسطينيين حسب قرار الأمم المتحدة رقم 194 ومبادرة السلام العربية.
ورغم كل المؤشرات حول طبيعة وتركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة فموقفنا لم يتغير، إن العودة للمفاوضات تتطلب ثلاثة أمور أساس هي وقف النشاطات الاستيطانية، وإطلاق سراح الأسرى وبخاصة الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، ومفاوضات لمدة عام ينتج عنها تحديد جدول زمني لإنهاء الاحتلال خلال مدة لا تتجاوز نهاية عام 2017.
إن الجواب لدى الحكومة الإسرائيلية ورئيسها، ففي حال كانت الإجابة بمواصلة النهج السابق فإننا سنواصل بالمقابل توجهنا لتدويل الصراع بكل ما يعنيه ذلك من أبعاد، كالانضمام لمزيد من المنظمات الدولية، واستصدار قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي الذي يتوجب عليه التدخل لوضع نهاية للاحتلال وللانتهاكات الإسرائيلية الخطرة للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة، فالعالم بأسره مل هذا الاحتلال البغيض، الاحتلال الوحيد الباقي والأطول في التاريخ الحديث.
الأخوات والأخوة، يا أبناء وبنات فلسطين...
في الذكرى السابعة والستين للنكبة، أقول لكم رغم كل المعاناة ارفعوا رؤوسكم فأنتم فلسطينيون، معا نجدد العهد ونجدد القسم بأنه لا تنازل عن ثوابتنا الوطنية ولا مساومة عليها، وبإذن الله وعونه سنعيد بناء ما دمره الاحتلال في قطاع غزة، وسنعزز الصمود والثبات في القدس والضفة الغربية، وسنرعى ونوفر الحماية والعون لأشقائنا في المخيمات وبخاصة في مخيم اليرموك، وستبقى قضية إطلاق سراح أسيرتنا وأسرانا البواسل همنا الأول وشغلنا الشاغل، فهم الضمير الوطني ورمز التضحية والوحدة والصمود.
التحية كل التحية لروح شهيدنا الخالد الأخ أبو عمار مفجر وقائد ثورتنا ولأرواح كل الشهداء الذين عبدوا الطريق لأجيالنا القادمة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها