بقلم: جنين حسام

يفتقر مواطنو قطاع غزة الذين هجرتهم الحرب المستمرة منذ أكثر من عام إلى أبسط حقوق الحياة مع تدمير ما يزيد عن سبعين في المئة من القطاع المنكوب في تكرار لمشهد النكبة التي عاشها الفلسطينيون منذ 75 عاماً.

ويروي العديد من المواطنين الذي نزحوا أكثر من مرة هرباً من ويلات الحرب، بحثاً عن مكان آمن لحكايات مليئة بالرعب والحزن.

وتقول منار البردويل (40 عاماً): "نمنا على البلاط، لم نستطع النوم في تلك الليلة، لم نجد فراشاً أو حتى كرسياً، هرعنا في ساعات متأخرة من الليل هروباً، من القصف المحيط بنا من كل اتجاه، من هول الحدث لم نستطع أخذ شيء سوى أوراق مهمة كانت مجهزة مسبقاً في حقيبة".

وتستذكر البردويل لحظات النزوح الأولى لتهجير وترحيل مواطني قطاع غزة هرباً من الموت والاضطهاد والتعذيب والتنكيل وغيرها من انتهاكات لحقوق الإنسان التي جعلتهم يعيشون مآسي لا حدود لها، وخاصة النزوح المتكرر والمتواصل.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء ذكر مؤخراً أن عدد النازحين بلغ ما يقارب مليوني نازح مع تضرر 360.000 وحدة سكنية.

ويقول علاء المسحال (24 عاماً): إن "كلمة النزوح تشكل مصدر رعب كبير له، فهو نزح من بيته في ظل القصف المستمر، مشيراً إلى أن الطريق للنزوح بحد ذاته ليس آمناً، كونه عرضة لاستهدافات الاحتلال".

وينوه إلى أنه يذهب للمجهول وأنه بمجرد خروجه من بيته الذي عاش فيه تاركاً وراءه ذكرياته وأحلامه يعد أكبر مأساة، مشيراً إلى أن الاحتلال لا يقوم بتحذيرهم قبل قصف أي مكان بطريقة عشوائية.
ويبين المسحال أن أطفاله ليس لديهم الإدراك التام لمعنى الصبر والتحمل.

ويضيف: "أصبحوا أكبر من أعمارهم بكثير، فما عاشوه من خوف ومصاعب ورؤية الإصابات والشهداء والدمار من حولهم سلبت منهم طفولتهم وأثقلتهم من أعباء الحياة، وهذا الوضع فرض عليهم وهم ينتظرون بفارغ الصبر عودتهم إلى ديارهم ومقاعد الدراسة التي حرموا منها".

وتقول زهرة سالم: إنه "في ظل العدوان الراهن لا يوجد حياة اجتماعية، فالأقارب الذين يقيمون في منزل واحد كل منهم لديه أعباء وهموم مختلفة وتفكيرهم بنفسهم وأطفالهم ومسؤولياتهم ووضعهم المالي المتردي، فلا يستطيعون التفاهم أو حتى التأقلم ليمارسوا الحياة الاجتماعية المعتادة، جميعهم منهكون، بالإضافة إلى أن من نزح لمكان وأهله في مكان آخر لا يستطيع الالتقاء بهم أو التواصل معهم".

وتزداد معاناة مواطني غزة في ظل نقص المواد الأساسية وصعوبة الحصول عليها في حال توفرها.

وتوضح سالم بخصوص كيفية تدبير احتياجاتهم، قائلة: "احتياجاتنا معدومة، أي لا يوجد أي مقومات للحياة من حيث تلبية الاحتياجات من ملبس ومأكل وكثير من النواقص الأخرى"، مشيرةً إلى أن الغلاء الفاحش للمواد الأساسية لا يسمح لهم بشراء شيء منها، فكل شيء أصبح سعره أضعاف ما كان عليه سابقاً تزامناً مع عدم توفر أي مصدر دخل، مبينة أن كل من كان يملك القليل من المال استنفده، منوهةً إلى أن زوجها كان موظفاً وحالياً ليس لديه مصدر دخل، متمنية انتهاء العدوان والعودة إلى ديارهم وإعادة إعمار غزة.

من جهته، يرى د. محمد المصري الخبير في الشؤون الاستراتيجية والسياسية والأمنية، أن مخططات إسرائيل ترمي إلى عمليات التجويع والإبادة في شمال قطاع غزة تحديداً. ويشير إلى أنه بعد مرور أكثر من عام على العدوان بات شعبنا يتعرض كل يوم لعمليات تهجير وتجويع وترويع، موضحاً أن الاحتلال يهدف إلى تهجير شعبنا من قطاع غزة أو لا يترك له العيش الكريم فيما بعد من خلال ضرب مقومات الحياة.

ويقول المصري: إن من صمد طوال سنة ونيف قد يترك المكان لعدم توفر مقومات للحياة، وبالتالي يكون التهجير طوعياً، مشيراً إلى أن ما تقوم به قوات الاحتلال اليوم في منطقة شمال غزة يمثل بشكل واضح عملية في منطقة يبلغ عدد سكانها 400.000 نسمة.

ويضيف: "تتعرض هذه المنطقة اليوم للإبادة الجماعية والتهجير القسري من منطقة الشمال إلى منطقة محافظة غزة، وبالتالي تتضح أهدافهم فهم يريدون المنطقة الشمالية فارغة ليعلن عنها منطقة عسكرية، ولا يُستبعَد أن يتوجه الاحتلال فيما بعد إلى تحقيق الهدف التالي ممثلاً بمحافظة غزة وإسقاط عليها ما يجري في منطقة الشمال"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يريد إفراغ المنطقة وإزاحة الكتلة السكانية باتجاه الجنوب، ومآلات العدوان غير معروفة.

الصراع من أجل البقاء على قيد الحياة من خلال النزوح القسري إلى المجهول، والنقص الحاد في الاحتياجات الإنسانية الأساسية، ما هي إلا آلام وأوجاع تصيب الغزيين في كل لحظة، وسط عالم صامت على حرب الإبادة التي تبث مباشرة على الهواء.