مع حصول فلسطين على العضوية في محكمة الجنايات الدولية مطلع شهر نيسان الحالي، برزت تساؤلات عدة حول الخطوات اللاحقة التي تنوي السلطة تنفيذها لمحاسبة اسرائيل على جرائمها إلى جانب التساؤلات التي لا تخبو حول مصير المصالحة وتقييم اداء حكومة التوافق الوطني في ظل الظروف التي يمر بها قطاع غزة حاليًا. هذه التساؤلات وغيرها اجاب عنها عضو اللجنة المركزية لحركة فتح د.محمد اشتية في لقاء مع مجلة القدس.
حوار /وسام خليفة
هل ستتقدم فلسطين بلوائح اتهام لمحكمة الجنايات الدولية قريبًا؟
فلسطين اصبحت عضوًا في محكمة الجنايات الدولية منذ بداية شهر نيسان الحالي، ونحن الآن نعدُّ اوراقًا لتكوين لائحة اتهام ضد اسرائيل، ونعمل على محورين. المحور الاول اننا سنجعل من دمعة كل ام في قطاع غزة لائحة اتهام ضد اسرائيل، وبناء عليه نحن الان نُعدُّ ملفًا كاملا يتعلّق بالعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة. اما المحور الثاني فهو ذلك المتعلّق بالاستيطان، بحيثُ سيكون كل حجر بنَتهُ اسرائيل بشكل غير قانوني على الاراضي الفلسطينية وكل مستوطن يعيش على أرضنا بشكل غير قانوني وكل دونم ارض صادرته اسرائيل بشكل غير قانوني جزءًا من لائحة الاتهام ضد اسرائيل. كذلك هناك لجنة خاصة تنظر ايضًا في موضوع الاسرى الفلسطينيين وتحويل ملف الاسرى لمحكمة الجنايات الدولية.
على الصعيد القانوني هل ستقاضي السُّلطة اسرائيل على جرائمها الاقتصادية تجاه الفلسطينيين والسُّلطة؟
بالنسبة للملف الاقتصادي فنحن ندرس اعادة النظر في شكل علاقتنا مع اسرائيل. بمعنى ان اسرائيل بالنسبة لنا دولة عدوة تحتل ارضنا وتشرّد شعبنا وهذه الدولة العدو كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد وقّعت معها اتفاقًا سياسيًا العام 1993، وهذا الاتفاق ادى الى رسم علاقة تستند إلى ثلاثة جوانب. أولها المسار السياسي وهو مُغلَق. والثاني هو المسار الاقتصادي، ولكنه محكوم باتجاه واحد، حيثُ أن اسرائيل تُصدّر لنا بضائع وخدمات بقيمة 4.1 مليار دولار وكل ما نصدّره لها لا يتعدى 350 مليون دولار. أمّا الجانب الثالث، فهو الجانب الأمني وهو حاليًا قيد الدرس على طاولة القيادة الفلسطينية. وبالتالي فإن القيادة الفلسطينية تدرس اعادة صياغة العلاقة مع اسرائيل في المجالات كافة مقابل ما تحاول اسرائيل ان تفرضه وهو السُّلطة بلا سلطة والسُّلطة منزوعة السياسة، وذلك عبر السُّلطة من السيطرة على معابرها وعلى مياهها وعلى اراضيها وعلى سمائها.
إلى أين وصلتم في تطبيق القرارات التي اتخذها المجلس المركزي مؤخرًّا فيما يتعلّق بإنهاء التنسيق الامني واعادة تقييم معاهدة باريس الاقتصادية؟
لقد تمّت احالة هذه القرارات التي اتخذها المجلس المركزي الى اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير كونها الجهة التنفيذية في هذا الاطار، وبالتالي أصبحت هي المعنية بتقديم كل الخلاصات اللازمة بهذا الموضوع. وهذه اللجنة تتضمّن لجنة سياسية تضم اعضاءً من اللجنة المركزية والتنفيذية، وحاليًا لا تزال هذه قيد النقاش ريثما يتم الوصول إلى النتائج المناسبة.
في كل مرة تغضب اسرائيل من السُّلطة تقوم بقطع اموال الضرائب عنها فكيف ستتعاملون مع الموقف اذا لجأت له اسرئيل مرة اخرى؟
بدون شك اموال السُّلطة هي رهينة بيد اسرائيل لأن اسرائيل تضرب بالاتفاق الاقتصادي عرض الحائط. فهي قتلت اتفاقية باريس الاقتصادية التي نظّمت العلاقة الاقتصادية بين السُّلطة واسرائيل بوضعها حواجز امنية واغلاق الاراضي الفلسطينية ومنعها التدفق الميسّر للخدمات بيننا وبين الجانب الاخر. لذلك لكي نتحرر من الاتفاق الاقتصادي علينا اولا ان نتحرر من الاتفاق الامني والاتفاق السياسي، ولنتحرر من الاتفاق السياسي والامني علينا انهاء الاحتلال. فالمشكلة بالتالي ليست بالاتفاق الاقتصادي بل بالاجراءات الامنية وفي واقع الاحتلال الذي يعيشه شعبنا في الضفة وغزة والقدس.
كيف أثّر حجز اسرائيل لأموال الضرائب على الوضع المالي للسلطة خلال الأشهر الاربعة الماضية؟
نحن نعاني من اربع ازمات اقتصادية. الاولى تتمثّل بعدم توفر الاموال الكافية لإعادة اعمار قطاع غزة الذي يعيش في ألم كبير، وما يجري حاليًا هي اعمال اغاثية وليست اعادة اعمار لأسباب عديدة جزء رئيس منها هو عدم تمكن الحكومة من فرض سيطرتها وسيادتها على القطاع، وفي اخر فترة منع الوزراء من الوصول لوزاراتهم!
والأزمة الثانية تكمن في العجز في الموازنة الذي يصل الى 35% اي بما يقدر بمليار واربع مئة مليون في السنة، وهو مبلغ كبير بالنسبة للموازنة الفلسطنية، وهذا المبلغ كنا نتوقع الحصول عليه أو على الأقل على الجز الأكبر منه من المانحين.
اما الشكل الثالث للأزمة فيتعلق بحجز اسرائيل لأموال ضرائب السُّلطة المستحقة على اسرائيل، وللأسف فإن هذا الأمر مرجّحٌ تكراره، حيثُ كانت المرة الأولى في العام 1996، ثمّ توالت هذه الخطوة، وهي تهدف للابتزاز السياسي، بمعنى أن إسرائيل تحاول مقايضة المال بالسياسة، ولكن آن لها أن تعلم ان الشعب الفلسطيني لا يقايض المال بالسياسة، انما نحن نعيش في الأرض التي عاش فيها السيد المسيح عليه السلام الذي قال ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ونحن لا نبحث عن لقمة عيش بل عن كرامة وحرية وعزة نفس.
وبالنسبة للازمة الرابعة التي يعيشها الاقتصاد الفلسطيني فهي تتعلّق بارتفاع نسبة البطالة والفقر، حيثُ أن نسبة البطالة تصل الى 28% في الضفة و48% في غزة، فيما تصل نسبة الفقر إلى 31% في الضفة و60% في غزة.
ومن هنا فإن الخروج من الازمات الاقتصادية التي نعيشها يحتاج حتمًا الى افق سياسي.
كيف تقوم السُّلطة بتشجيع الاستثمار في ظل الظروف السياسية التي تمر بها؟
هناك اغنياء حرب وهناك اغنياء سلام ولكل مرحلة في التاريخ ادواتها واحتياجاتها. في الحالة الفلسطينية هناك ظرف صعب ولكن ضمن هذا الظرف الصعب هناك من استطاع ان يجني اموالاً، فرغم صعوبة الظروف في الاراضي الفلسطينية هناك استثمارات وارباح لكن معظم هذه الارباح تجنيها شركات تديرها عائلات، وهذه الشركات تأقلمت مع الواقع السياسي إذ لا يوجد مخاطرة كبيرة عندهم ولا يوجد ضخ اموال. واذا نظرنا لحجم السوق نجد ان نسبة 91% من الشركات في الضفة تشغّل اقل من 10 اشخاص لذلك هي شركات صغيرة الحجم وقادرة على التأقلم ضمن هذه الظروف، بل ورغم أن الشركات الكبرى يصعب عليها التأقلم ضمن احتياجاتها الكبيرة إلا أنها مع ذلك تحقّق أرباحًا جيّدة.
هل ستعود السُّلطة للمفاوضات في الفترة القادمة اذا تم التوافق على شروط معينة؟
انا لا اعتقد ان هناك عودة للمفاوضات لأن نتنياهو هو نفسه لم يتغيّر وبالعكس بعودته هذه المرة سيكون أسوأ مما مضى في الائتلاف السابق. فالمطلوب من نتنياهو هو ان يقف ويعتذر للشعب الفلسطيني وينهي احتلاله ويلتزم بإعادة اللاجئين الى اراضيهم، لكنه لن يفعل ذلك. ويتضح من المناخ السياسي عدم وجود أي أفق للعودة للمفاوضات مع نتنياهو فهو لن ينهي الاستيطان ولن ينهي الاحتلال ولن يعيد اللاجئين وهذه اهم ثلاث ركائز بالنسبة لنا والقدس عاصمة دولتنا، وهو يرفض هذه الفكرة ولا يريد الافراج عن الاسرى، فهو يبحث عن التفاوض لأجل التفاوض وليس للوصول الى اتفاق.
إلى اين وصلت المصالحة بعد فترة طويلة من جملة الاتفاقات وتشكيل حكومة التوافق الوطني؟ وما تعليقكم على الاوضاع الحالية المحيطة بالحكومة وخاصة في قطاع غزة من اعاقة للوزراء من ممارسة مهامهم؟
المصالحة تراوح مكانها ولا اعتقد ان جوهر المصالحة ازمة موظفين. فأزمة الموظفين هي من اعراض المصالحة وليست مسبّباً، بل إن المشكلة هي مع قيادة حركة حماس لأننا لا نلمس نوايا حقيقية للمصالحة. فحماس تريد شراكة وخيمة بعامودين ونحن نقول ان الخيمة لا تقوم على عامودين، إنما يجب ان يكون هناك رجل امن واحد وقيادة سياسية واحدة إذ لا يمكن لأي كيان سياسي ان يعمل بقيادتين، فلسنا الحكومة وهم الحكم، ونحن لا نقبل بهذا، لكن حماس تريد ان تمسك الامور بكل ما تحققه من مكاسب، تريد جسورًا تريد مخرجًا تريد مالاً، ولا تريد تقديم شيءٍ فهي لم تسمح للحكومة بممارسة أيٍّ من مهامها. وبالنسبة لنا في حركة "فتح" نرى ان المصالحة عنصر وركيزة اساسية من ركائز النضال الفلسطيني وطالما حرصنا على الوحدة الفلسطينية، ولكن حماس لا تألو جهدًا في إفشال جهد حكومة الوفاق الوطني يوميًا.
هل هناك ما يبشر بحصول انتخابات قريبًا؟
نحن نريد ان تكون هناك انتخابات للمجلس التشريعي ونريد ان تكون هناك انتخابات من اجل تجديد المؤسسة الفلسطينية ومن اجل تجديد الشرعية للرئاسة والبرلمان والمجلس الوطني وغير ذلك، ولكن نحن لا نريد اجراء انتخابات في الضفة فقط بمعزل عن قطاع غزة، بل نريدها بكل مكان ممكن لكن حركة حماس تأخذ قطاع غزة رهينة ولا تريد للانتخابات ان تتم. والرئيس ابو مازن قال لهم ابعثوا لي رسالة بأنكم تريدون انتخابات وانا سأعلن عن انتخابات لكن إلى الآن لم يصلنا اي رد حتى هذه اللحظة.
اين وصلت عملية اعادة اعمار غزة؟
اعمار غزة يعاني من مشكلة كبيرة فالأموال التي تعهّد بها العالم قُدّرت بما يزيد عن 5 مليار دولار، وبصراحة ما خُصّص لغزة 2.7 مليار فقط، لأن هذه الاموال لثلاث سنوات وجزء منها مخصّص لدعم الموازنة وليس لإعادة الاعمار، كما ان معظم الدول لم تفِ بالتزاماتها، ولذلك غزة لم يصلها اكثر من 11% من الاموال المتعهَّد بها، وهذه مشكلة كبيرة. كذلك هناك 19 الف فلسطيني مازالوا يسكنون في مدارس الاونروا، ومجموع ما سمحت اسرائيل بدخوله لقطاع غزة على مدى سبعة أشهر لا يتعدّى 70 الف طن من الاسمنت المخصّص للإعمار، علمًا أن غزة تحتاج يوميًا الى 6000 طن، بمعنى ان مجموع ما كان من المفترض دخوله الى غزة كان مليونا ومئتان وخمسين الف طن دخل منها 70 الفا فقط.
كيف تعمل السُّلطة الفلسطينية على حل ازمة اللاجئين الفلسطينيين في مخيم اليرموك؟
يعتصرنا الالم ونحن نشاهد ما يصيب اهلنا في اليرموك. وخلال ايام سيصل وفد من المنظمة الى دمشق، ونحن نتواصل مع الدولة السورية ونتواصل مع كل الاطراف من اجل حماية شعبنا فلم يبقَ في مخيم اليرموك سوى ستة الاف لاجئ فقط. اما الباقي فقد تشردوا وهناك الم حقيقي يجري في مخيم اليرموك، ونأمل ان يتم تجاوز هذه المأساة الانسانية، ونحن نتواصل مع وكالة الأونروا بشكل يومي للاطلاع على الاوضاع هناك، وطلبنا إلى الدول العربية مساعدة وكالة الأونروا وهناك نشاط يومي يتمثل بتبرعات من المواطنين لأهل المخيم.
كيف تقيمون وضع حركة فتح في الشارع الفلسطيني من خلال انتخابات الجامعات الفلسطينية وخاصة بعد خسارة "فتح" في جامعة بيرزيت؟
نعم خسرنا في بيرزيت لكننا ربحنا الانتخابات في جامعة القدس وجامعة بيت لحم وكليات المجتمع، وربحنا نقابة المحاميين في قطاع غزة وفي الضفة، والعديد من الجامعات الاخرى، ونحن نربح انتخابات جامعة بيرزيت منذ فترة طويلة، وهناك اشكال حصل في بيرزيت سيتم معالجته واللجنة المركزية تأخذ هذا الامر على محمل الجد لأن ميزان القوى في صالحنا، وبالتالي نخسر لأخطاء ارتُكِبَت، وعلينا عدم النظر للإنتخابات الطلابية على انها انتخابات سياسية بل هي انتخابات تتعلّق بالحياة الجامعية واحتياجات الطلاب والاقساط والرسوم وغير ذلك.
وفي النهاية اود ان اقول لإخواننا اللاجئين اننا ما زلنا متمسكين بالثوابت الوطنية وهي انهاء الاحتلال واقامة الدولة وعودة اللاجئين، ودون هذه الثوابت لن يكون هناك حل للقضية الفلسطينية وان شاء الله النصر آتٍ، ففي مقابل حالة الحصار الإسرائيلي هناك حالة وعي عالمي تتنامى بشكل كبير تجاه ألم الشعب الفلسطيني، وهي تترجم بعمل دول العالم على ان تُنجَز هذه الدولة والرئيس ابو مازن والقيادة الفلسطينية مجتمعة معه يخوضون معركة سياسية بامتياز، وعلينا ان نتعلم مما حدث لليرموك لضمان عدم تكراره في لبنان او اي مكان آخر.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها