مرت سبعة واربعون عاما على معركة الكرامة البطولية، التي شكلت في أعقاب هزيمة الجيوش العربية الثلاثة في حزيران 1967 نقطة تحول في مسار المواجهة مع جيش الموت والعدوان الاسرائيلي، كما انها منحت شرعية غير مسبوقة للظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية المعاصرة؛ وارغمت اهل النظام العربي على القبول بقيادة الثورة، ما مكنها من استلام زمام الامور في منظمة التحرير الفلسطينية، وسحب البساط من تحت اقدام الوصاية العربية المفروضة عليها؛ وغيرت من المزاج الدولي تجاه المسألة الفلسطينية، وفتحت الباب للاعتراف بالقضية الفلسطينية، كقضية سياسية، وقضية تحرر وطني للشعب الفلسطيني، واسقطت من سجل الامم المتحدة البعد الانساني الصرف؛ اضف الى انها شرعت ابواب الثورة امام الشباب العربي والاممي للالتحاق بالثورة الفلسطينية؛ وفرضت على مؤسسة الجامعة العربية خطابا سياسيا مغايرا تجاه قضية الشعب الفلسطيني؛ كما انها أكدت على اهمية التلاحم الفلسطيني الاردني. لا سيما وان جزءا اساسيا من الجيش الاردني الشقيق بقيادة الجنرال مشهور حديثي شاركت بثقل وقوة مع فصائل العمل الوطني في الدفاع عن ثرى الكرامة والارض الاردنية، التي استهدفها العدوان الاسرائيلي البربري في فجر يوم 21 من آذار 1968، بهدف القضاء على مشروع الظاهرة العلنية للثورة الفلسطينية. 
يحتل استحضار معر كة الكرامة الآن اهمية خاصة في مجرى الصراع الدائر مع العدو الاسرائيلي، خاصة بعد استكلاب القوى اليمينية الصهيونية على تبديد وتصفية الحقوق والاهداف الوطنية الفلسطينية، وقتل خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 67، وهذا ما اعلن عنه رئيس الوزراء الحالي واللاحق نتنياهو. وذلك للفت نظر القيادات الاسرائيلية من اقصاها الى اقصاها الى ان الشعب الفلسطيني، المتمسك بخيار السلام، الذي قدم التنازلات السياسية المطلوبة منه سلفا، كفيل بان يقلب الطاولة رأسا على عقب على رأس تلك القيادات جميعها دون استثناء، وقادر على انتزاع كامل حقوقه التاريخية من فم السرطان الاسرائيلي المحتل.
واذا اعتقدت القيادات الصهيونية اليمينية واليمينية المتطرفة وما يدعى باليسار والوسط الصهيوني، ان القيادات الفلسطينية مكبلة اليدين، وغير قادرة على التمرد على واقع الحال البائس القائم، فانها تكون مخطئة جدا جدا جدا. تمسكها بالسلام، لا يعني بحال من الاحوال التفريط بالحقوق الوطنية او تقديم تنازلات اضافية عما تم تقديمه. لانه لم يعد امام القيادة والشعب الفلسطيني ما يمكن تقديمه من تنازلات حتى لو مورست كل ضغوط الدنيا. 
بناء على ذلك، فان استحضار الذكرى السابعة والاربعين لمعركة الكرامة، أكثر من ضروري لتذكير الكل الاسرائيلي ان من مصلحته، ان كانوا معنيين بالبقاء في اطار المنطقة، فان عليهم الاستعداد في اقرب فرصة ممكنة بعد تشكيل الحكومة المقبلة لدفع استحقاقات عملية التسوية السياسية وانجاز خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والكف عن الانتهاكات الخطيرة وجرائم الحرب، التي تدفع الامور باتجاه دوامة الحرب والعنف، وفي مطلق الاحوال لن تكون في صالح اسرائيل ولا الولايات المتحدة ولا من يدور في فلكهم.