منذ قرار القمة العربية في الكويت عام 2010 بتوفير شبكة امان مالية للسلطة الوطنية بقيمة مئة مليون دولار، في حال قامت حكومة الاحتلال بفرض عقوبات مالية على السلطة، لم يتم ترجمة القرار لا سابقا في نهاية عام 2012 حين اوقفت حكومة الاحتلال العائدات الضريبية التي تحتجزها بعد توجه السلطة الوطنية لمجلس الامن، ولا حاليا بعد ان وقعت القيادة الفلسطينية على ميثاق الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، رغم ان شبكة الامان المالية التي تعهدت بها الدول العربية اقل بكثير من ايرادات المقاصة الشهرية التي تحتجزها حكومة الاحتلال.
شبكة الامان المالية العربية اقرتها الدول العربية بمحض ارادتها، ومساهمة الدول العربية فيها لا يشكل عبئا ماليا على اي منها، فما قدمته الدول العربية للسلطة الوطنية عام 2014 لا يتعدى 390 مليون دولار، تكفلت بها ثلاث دول عربية لا غير، السعودية قدمت 200مليون وقطر 133 مليونا والجزائر 47 مليون، وبالتالي مجموع ما قدمته الدول العربية يقترب من ايرادات شهرين من المقاصة.
حكومة الاحتلال دأبت على اطلاق تهديداتها بوقف تحويلات عائدات الضرائب الى السلطة الوطنية في وضح النهار، وسبق لها ان نفذت تهديداتها، وبالتالي لا يمكن للدول العربية الادعاء بانها تفاجأت بالقرصنة الاسرائيلية، وعليه لا يمكن لنا فهم عدم وفاء بعض الدول العربية بما التزمت وتعهدت به.
دأبت الدول العربية في السنوات الاخيرة تحميل عجزها تجاه القضية الفلسطينية على شماعة الانقسام الفلسطيني، وحجم البيانات والتصريحات الاعلامية للقادة العرب الداعية لضرورة انهاء الانقسام الفلسطيني لا حصر لها، ولم تترك دولة عربية مناسبة الا وعبرت عن تطلعاتها بتحقيق المصالحة الفلسطينية، وابدت الكثير منها استعدادها لتجنيد مقدراتها من اجل تحقيقها، واليوم يعلم الجميع ان المصالحة الفلسطينية تتعثر في محطة رواتب موظفي غزة، والتي بمجملها السنوي تقل عن ثمن لوحة فنية، فهل اقتناء لوحة اهم بكثير عند العرب من تحقيق المصالحة الفلسطينية؟.
ندرك جيدا حسبة المصالح السياسية التي تتحكم بالقرار العربي، وان بعض الدول العربية لا تريد ان تغضب البيت الابيض، وان ما تقدمه من مساعدة للشعب الفلسطيني يتعلق بمصلحتها وعلاقاتها مع سيدة العالم بالمقام الاول، ولكن من الواضح اننا لم نستوعب بعد قيمة ما نعلمه، فشبكة الامان العربية تحمل صفة الغربال الذي لا يحتفظ بشيء من التعهدات والالتزامات، وان كنا جميعا نتفق على ان العقوبات المالية لحكومة الاحتلال لن تجد نفعا، وان تراجع الدول العربية عن تعهداتها يفاقم من الجرح الفلسطيني، الا ان ذلك يجب ان يدفعنا لمداواته بتحقيق المصالحة الجادة التي تضمن لنا مجابهة التحديات، المصالحة التي تضم في كنفها الجميع دون انتقاص للحقوق.