خاص- مجلة القدس/  بقلم: أشرف العجرمي

لاشك أن القرار الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب الذي تم بتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة  يشكل خطوة مهمة إلى الأمام على طريق تحقيق الحلم الوطني بالحرية والاستقلال، ولكن هذه الخطوة ستبقى منقوصة إذا لم تترجم إلى خطوات ملموسة تقربنا من هذا الهدف العظيم. ومن الطبيعي أن تخشى إسرائيل من هذه الخطوة التي ربما تجعلها تحت الملاحقة القانونية الدولية باعتبارها تنتهك حقوق دولة أخرى عضو في الأسرة الدولية حتى لو كانت فلسطين غير كاملة العضوية، فهي على الأقل يمكن أن تصبح عضواً في كل المنظمات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية، وعليه فكل السياسات الاحتلالية وخاصة الاستيطان وانتهاك حقوق المواطنين الفلسطينيين من قتل واعتقال وحصار وحواجز ستكون تحت طائلة القانون الدولي باعتبارها انتهاكات فظة لاتفاقيات جنيف منذ العام 1949 وخاصة الاتفاقية الثالثة التي تتحدث عن أسرى الحرب والاتفاقية الرابعة التي تختص بحماية المدنيين في وقت الحرب.

ويمكن ملاحقة قادة إسرائيل دولياً على ضلوعهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على ما فعلوه في السابق وما يفعلونه اليوم، وهذا أهم ما تخشاه إسرائيل في الوقت الحاضر. وهناك من يعتقد من الإسرائيليين أن الوقت قد يحين لاتخاذ قرارات دولية مؤلمة لإسرائيل في ضوء استمرار حكومتها في خرق القانون الدولي وتحدي إرادة العالم أجمع الذي يريد الانتهاء من الصراع القائم في المنطقة وجوهره القضية الفلسطينية، وقد يأتي يوم يفرض فيه العالم حلاً للصراع على غير ما ترغب إسرائيل وعلى نفس الأسس التي يريدها الفلسطينيون و يؤيدهم فيها المجتمع الدولي بأسره، وخاصة إقامة دولة فلسطينية في حدود العام 1967.

ولكن لنر كيف يؤثر الاعتراف الدولي بفلسطين على قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية. من الطبيعي أن يعاني  الاسرى والمعتقلون  من نفس ممارسات السلطات الإسرائيلية التي تعتبر جزءاً من انتهاكات الاحتلال للحقوق الفلسطينية، ومن حيث المبدأ لا يجوزاعتقال الأسرى الفلسطينيين ونقلهم إلى خارج مناطقهم التي يسكنون فيها.. والتعاطي مع ملف الأسرى والمعتقلين لا يخضع لأي اعتبار عدا القوانين والأنظمة العسكرية الإسرائيلية التي تتعارض أصلاً مع القانون الدولي واتفاقيات جنيف. وحسب المعايير الدولية يعتبر معظم الأسرى الفلسطينيين أسرى حرب وتنطبق عليهم الاتفاقية الثالثة من اتفاقيات جنيف. والآخرون تنطبق عليهم الاتفاقية الرابعة. فالاعتقال يتم على مقاومة الاحتلال وعلى الموقف السياسي او الانتماء السياسي في كثير من الأحيان كما هو حال المعتقلين الإداريين ومن ناحية أخرى يخضعون للتعذيب والاستجواب وهذا مخالف أيضا للقانون الدولي الذي لا يجيز التحقيق مع أسرى الحرب. هذا عدا عن اعتقال الأطفال القاصرين والنساء والشيوخ والمرضى دون اعتبار لأي حاجة انسانية.

الشروط الحياتية التي يخضع لها الأسرى الفلسطينيون هي اقل بكثير من الحد الأدنى الموجود في الكثير من دول العالم، وإذا ما قارنا إسرائيل مثلاً بالدول الأوروبية التي تقول أنها  تنتمي إليها سنجد فرقاً كبيراً في الشروط والمعايير والمعاملة. فمثلاً المساحة المخصصة لكل أسير أو معتقل في الدول الاوروبية تقدر بثلاثة أو أربعة أضعاف المساحة التي تخصصها إسرائيل للأسرى والمعتقلين، بالإضافة إلى النقص الشديد في التهوية والإضاءة الطبيعية في الغرف حيث تعمد سلطات مصلحة السجون إلى اغلاق الشبابيك بصاج حديدي لمنع الرؤية خارج إطار الشبابيك مما يحول دون دخول اشعة الشمس والتهوية الجيدة في الغرف. وهناك نقص كبير في الغذاء المقدم للأسرى من حيث الكم والنوع ، ويعتمد الأسرى على أموالهم الخاصة في شراء ما ينقصهم من مواد غذائية من الكانتين في السجن.

وربما تكون العناية الصحية بالأسرى من أهم  المشكلات التي يعاني منها المعتقلون  المرضى على وجه الخصوص، حيث يضطر المرضى من الأسرى لانتظار أشهر وسنوات حتى يتمكنوا من الحصول على دور في المستشفيات الحكومية، ويترتب على هذا تدهور الحالة الصحية للمرضى وربما التسبب بوفاتهم كما حصل مع العديدين منهم خلال سنوات الاعتقال منذ عام 1967. وتفتقر عيادات السجون والمستشفى المخصص للمعتقلين للحد الادنى من التجهيزات الطبية الضرورية، وتعتمد على ممرضين يكثرون من صرف المسكنات دون تقديم العلاج المطلوب.

وتشكل زيارة الأهالي لابنائهم الأسرى سلسلة من المعاناة الطويلة حيث أن سلطات الإحتلال تعمد إلى نقل الاسرى لأماكن بعيدة عن مناطق سكناهم في مخالفة واضحة لاتفاقيات جنيف فيضطر الأهالي للسفر ساعات طويلة للوصول إلى السجون والمعتقلات. كما أن قسما منهم يحرمون من زيارة الأهالي الذين أيضاً يعاقبون بعدم السماح لهم بزيارة ابنائهم تحت حجج ومبررات أحياناً تكون على درجة كبيرة من السخافة والتفاهة مثل انكار صلة القرابة بين الوالد وابنه بحجة وجود اخطاء.

وبمقاييس دولية وباعتراف العديد من المؤسسات الحقوقية بما فيها الإسرائيلية تعتبر معاملة الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين  منافية تماماً للقانون والاتفاقيات الدولية الخاصة بذلك، وبالتالي من السهل ملاحقة إسرائيل أمام المحاكم الدولية باعتبارها ترتكب مخالفات ضد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني. ومن المستبعد أن تفكر إسرائيل بتعديل سلوكها تجاه الانتهاكات التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني بما فيها هضم حقوق الأسرى والمعتقلين بل ان ما يحصل هو عكس ذلك، فبعد اعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطين أعلنت سلطات الاحتلال عن الشروع في بناء 3000 وحدة سكنية في المنطقة الواقعة بين مستوطنة "معاليه أدوميم" ومدينة القدس، وهذا يعني توجيه ضربة قاتلة لمبدأ حل الدولتين ، فعدا عن كون الاستيطان في حد ذاته يشكل انتهاكاً للقوانين الدولية ، يمثل البناء في المنطقة المذكورة محاولة لقطع الطريق على اقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة ومتواصلة اقليمياً. وهذا سيكون حال تعاطي إسرائيل مع كل القضايا المتعلقة بالصراع. ويبدو أنه لن يكون هناك مناص من التوجه للمحاكم الدولية وخاصة محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة القادة الإسرائيليين المتورطين بمخالفات وجرائم ضد الشعب الفلسطيني وضد الانسانية. ولا نتوقع أن تسارع إسرائيل بدون ضغط إلى تعديل سلوكها وإلى الانصياع لإرادة المجتمع الدولي. وسيبقى المعتقلون والأسرى يخضعون لمعاملة قاسية لا انسانية وتنتهك حقوقهم الاساسية كما الشعب والأرض الفلسطينية حتى يزول الاحتلال وتتغير معادلة العلاقة مع إسرائيل.