انهمك الأوروبيون منذ حصول فلسطين على وضع دولة غير عضو والشلل الذي أصاب السياسة الأميركية في بحث أفكار جديدة لدفع العملية التفاوضية المتوقفة بقرار اسرائيلي. وكانت المخاوف الأوروبية نابعة من أن فلسطين في ممارسة حقوقها داخل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ضد الاجراءات الاسرائيلية المتلاحقة في أراضي الدولة الفلسطينية مع رغبة اسرائيلية في إنهاك السلطة وتقويضها رويداً بفرض حصار مالي عليها. وقد ارتأى الاتحاد الأوروبي أن طرح بديل على شكل مبادرة جديدة بالتشاور مع الأردن والرئاسة الفلسطينية وواشنطن كفيل بإعادة انعاش العملية التفاوضية على أسس من الشرعية الدولية.. وبالطبع فإن اسرائيل ستعارض أية أفكار تفاوضية لأنها ماضية قدماً في مشروعها الاستيطاني إذ إن اليمين الاسرائيلي يخوض الانتخابات على ايقاع مشاريع استيطانية مكثفة وحصار السلطة ماليا ثم الترويج لانتفاضة ثالثة ومسلحة وليست سلمية فإسرائيل ترفض حتما أية أفكار جديدة تنص على اقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وهي تراهن على دولة ذات حدود مؤقتة تغري بها حركة حماس.. لكن زمن الاخوان الطيعين يبدو أنه يتراجع بفعل الحراك الشعبي سواء في مصر أو في غزة نفسها أو في تونس.

فالمستقبل لا يتجه نحو صراع شيعي سني لصالح أميركا واسرائيل وإنما قد يكون تحالفا في وجه اسرائيل. لأن كل المؤشرات تدل أن ايران تخطت مرحلة اللاعودة إلى المساومات وهي في طريقها إلى التحول لدولة نووية خلال السنة الحالية، وكذلك فإن من أطلق مارد الفوضى الخلاقة من قمقمه يرى المارد ينقلب عليه رويدا مع تدعيم التيار الجهادي السني خاصة في سوريا وبداية التحرك في العراق وعدم قدرة النسخة الحالية من الاخوان في مصر وتونس على الحكم منفردين فهم بحاجة إلى مشاركة من القوى الوطنية الأخرى.

عمليا ليس المستقبل للقوى الاسرائيلية بل لفتافيت قوى جديدة بدأت تنتظم في المنطقة وتطرح نفسها بقوة على الساحات الداخلية، ما ينفي أن الشرق الأوسط الجديد هو الأوسخ الاقبح بل قد يتغير بسرعة إلى الأملح والأصلح.. فاسرائيل إن واصلت سياسة التعنت فإنها تواجه خطر عزلة أكبر وأخطارا وجودية وليس حدودية. وكلنا نعلم أن السلام هو طريقها للنجاة وليس الاستيطان، فإن واصلت سياسة الغطرسة والاستيطان فإنها ستلاقي ما لم يكن في حسابها..

فالقوة ليست أبدية والضعف المحيط ليس قدراً.