هناك ما يجب الاتفاق عليه قبل أي حديث عن إعادة إعمار قطاع غزة، هو أن القطاع جزء من الدولة الفلسطينية، وأنه والضفة يشكلان إقليم الدولة، وأن لكلا الإقليمين سلطة حاكمة واحدة هي السلطة المنبثقة من منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني المعترف به عربيًا ودوليًا.
بعد الاتفاق على هذا المبدأ يمكن البحث في صيغ من سيدعم هذه السلطة لفرض سيطرتها على القطاع وضمان الأمن والاستقرار فيه، لأن أي إعادة إعمار بالضرورة لن تتم استنادًا لاتفاق الإطار السياسي المشار إليه وأن يكون هناك أمن واستقرار وبيئة استثمار مساعدة.
أي إعادة إعمار جدية تحتاج إلى رأسمال، والأخير لا يمكن الحصول عليه دون أن يكون وضع القطاع مستقرًا سياسيًا، ويكون مستقبله مرتبطًا بمستقبل وجود دولة فلسطينية مستقلة، كما يتطلب استقراراً سياسياً فلسطينياً داخلياً، يمكن تحقيقه من خلال انضمام كل الأطياف السياسية لمنظمة التحرير، وفي مجلسها الوطني والمركزي.
يمكن أن تتم الخطوات السياسية جنبًا إلى جنب مع إعادة الإعمار الذي يجب أن يشكل له لجنة خبراء خاصة تشرف على العملية، لجنة منبثقة من الحكومة، وتقوم اللجنة بتقديم رؤية لما سيكون عليه القطاع في المستقبل مستوحاة من الفرص الاقتصادية التي يمكن أن يتيحها القطاع.
وبالضرورة أن تستند عملية إعادة الإعمار لخطة تحول الضارة إلى نافعة، بحيث يُعاد بناء الأحياء والمرافق بطريقة عصرية وأن تشمل البنية التحتية مطارًا وميناءً، ومناطق صناعية وسياحية وحدائق.
وهناك حاجة لإدراك أن عملية البناء بالضرورة يجب أن تتم بشكل تكاملي مع إعادة بناء مماثلة تتم في الضفة لتحقيق قدر من الانسجام في مستويات النهوض بالدولة الفلسطينية، فإذا كنا نريد دولة تسهم بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وتتعايش مع جميع الدول يجب بالضرورة أن تكون مزدهرة اقتصاديًا، وتكون جزءًا من منظومة اقتصادية أوسع.
ومن بديهيات عملية إعادة الإعمار هي الانفتاح على جميع الدول، وأي طرف يريد المساهمة والاستثمار، وألا يكون هناك فيتو على أحد، على أن يتم كل ذلك استنادًا إلى الحفاظ على وحدة الإقليم الجغرافي للدولة الفلسطينية.
هناك فرص للجميع وفي القطاعات المختلفة، قطاع الغاز والسياحة، والصناعة، وفي الميناء والمنطقة الحرة، والاستثمار في الضفة في قطاع السياحة الدينية وغير الدينية، وفي الزراعة والصناعة والمطار وشبكة القطارات، وفي التعليم.
أما فيما يتعلق بآليات تحقيق الوحدة والانسجام الداخلي فله عنوان مهم هو تكريس الدستور الذي يؤمن لنا نظامًا سياسيًا ديمقراطيًا مرنًا يستطيع الجميع المشاركة من خلاله، وأساسه تحول الفصائل إلى أحزاب سياسية تعمل انطلاقًا من مبدأ التداول السلمي للسلطة، وبناء دولة القانون.
وبخصوص واجبات المجتمع الدولي فهي تبدأ من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأن يتم قبولها عضوًا كامل العضوية في الأمم المتحدة، بالتزامن مع وضع خطة على مراحل لإنهاء الاحتلال لا تتجاوز الخمس سنوات.
إن عملية إعادة إعمار القطاع ليست خطوة في الفراغ، بل هي جزء من عملية تثبيت أركان الدولة الفلسطينية المتعايشة مع جميع شعوب ودول المنطقة، فأي عملية تجميلية لا أساس سياسيًا متينًا لها لن تنجح، وستبقى المنطقة تعيش في أجواء التوتر وعدم الاستقرار.
إعادة إعمار القطاع يجب أن تكون جزءًا من خطة حل الدولتين، ويمكن بعد ذلك صياغة طبيعة العلاقة بين هاتين الدولتين بما يتطلبه الواقع من تعاون، على أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة أولاً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها