بقلم: ريما كتانة نزال

على مدار حياته، استطاع "زياد أبو عين" أن يحول حياته وحريته إلى قضية يملكها الرأي العام، وفي نهايته المرسومة بعناية، قذف على عجل قضية جديدة للرأي العام، عندما اتفق الشهيد مع القدر، بشكل ما، على جعل استشهاده على رؤوس الأشهاد مدوياً وصاخباً، وأن يسخره في خدمة تظهير وحشية الاحتلال تحت عناوين مزورة حول حق المحتل في الدفاع عن نفسه، ومن أجل إجلاء اختلال موازين القوة بين طراوة غصن الزيتون وبين المدججين بالسلاح.

كأنه امتلك سرّ حيازة الفضاء، وكأنه أراد اختصار الوقت، وكأنه ابتغى رفع رؤوسنا إلى فوق، وكأنه أراد بعث محطات من الماضي، وكأنه أراد أن ننظر إلى حالنا وعجزنا وإجبارنا على مقارنته بمواطن القوة المتروكة، فقط قال للكاميرا دوري حولي وسجِّلي سابقة جديدة أضيفها إلى السجلات.

كان يعرف عنوان البطولة الفردية ومكانتها في زوايا التاريخ. وكان يحمل في قلبه العزيمة والإيمان بما يفعل، ويعرف كيف يحتفظ بالمكانة التي خطفها كالسحر، كان قد اختبر المحطات واكتشف كيف يصنع فرقا ما في التعامل مع القضية.

خطط لمغامرته الأخيرة، مدركاً انه يقامر بروحه من أجل الفكرة، لكن شغفه تفوق على قلقه. أعتقد أن غصن الزيتون سيشفع له، فمشى واثقاً من فكرته بتؤدة وصخب، أراد ان يتحدى العالم ويجمع القرائن على أن جريمة الاحتلال كاملة ولها ختم ودمغة عنصرية، وبعد اكتمال الفكرة دعا وسائل الإعلام للإدلاء بتصريحاته الأخيرة في مؤتمر صحافي فوري ومباشر، على عين مكان الصراع.

على قدميه ذهب الرجل، وهو الرجل المناسب للملف المناسب.. تكلم بقلبه ولسانه، ساكباً الشرارة على بركان الحكاية، مضيفا روحه إلى أرواح الجثث المتطايرة من قصف الحكاية. ومن قصفة الزيتون المتسربة من بين أصابعه تحول منطق الحكاية ومبناها، حيث أمرها مغادرة رتابتها وأوهامها. فاستجابت! فقالت الحكاية: إننا أمام حكاية واحدة، متعددة الأشكال والتجليات.

فكرة الشهيد أشبه بفكرة الحلم، تتلخص في خطوة تكسر الصلة مع أفق الانتظار، فكرة نضجت في عيْن "أبو عين" البصيرة، فباشر إلى التخطيط لها وتحميلها الوصايا والرسائل المبعثرة في جميع الاتجاهات، رسالة تقول بأننا شعب نقف على حافة الهاوية بين الكلام والصمت، بين الكلام عن حقوق الإنسان وبين صمت عوالم حقوق الإنسان، وبأن القتل ينتظرنا في جميع الأحوال سواء حملنا الحجارة أو أغصان الزيتون أو ما تيسر من سلاح..لأن الاحتلال في كل الأحوال، يعتبر كل أفعالنا وأقوالنا ودفاعنا عن ذواتنا وحتى سلامنا إرهاباً، يعتبر شعرنا وشعائرنا ونظرتنا وزراعتنا وتناسلنا إرهاباً..

لقد سعى شهيد الدفاع عن الأرض إلى الشهادة في كل خطوة قطعها، رسم نهايته "الدرامية" بحصافة واقتدار على إخراج المشهد الأخير، صورة ملحمية تحاكي الماضي والحاضر والمستقبل، تُمازج بين سحر البيان وبين الجرأة في اقتحام الميدان، وهو ما يميز القادة التاريخيين العابرين في التاريخ.

رحل "زياد أبو عين" مطمئناً لنجاح خطته، رحل وهو يشير بأصابعه العشرة نحو الاحتلال، رحل قانعاً بتوثيقه قصة مقتله وحمايتها من المحو أو النسيان. رحل مبتسماً لأن موته المدوي قد حقق ما عجز الخطاب عن تحقيقه، رحل في يوم حقوق الإنسان وهو يشكك في جدوى القرارات وما تدعيه لنفسها المعاهدات. رحل مرتاحاً بأن رحيله الشامخ قد سكب رجاءً وعبقاً من العزة والكرامة على المقاومة الشعبية، وبأن غيابه سيستنهض الأمل وينفخ نفساً حياً في المقاومة..

تقول الحكاية الفلسطينية: طلّ غصن الزيتون والسبع ما طل، فقد طلّ غصن الزيتون مختنقا بالغاز. طلت الزيتونة والسبع مجاش.. يا بوز الزيتونة بدمه مرتاش...

بقلم: ريما كتانة نزال