هذه تحية من الأعماق للأخ العزيز المناضل الدكتور فتحي أبو وردة الذي طالته يد الانفلات الأمني والانحدار السياسي الذي يعربد في قطاع غزة بلا رادع ولا حدود، وتتحمل المسؤولية عنه القيادات النافذة في حركة حماس التي قامت قبل أيام بسلسلة تفجيرات ضد منازل قيادات حركة فتح في قطاع غزة ثم هربت من مسؤولياتها حين شتت الاتهام مرة الى داعش ومرة أخرى الى المجهول، وكأن هذه القيادات المتنفذة داخل حماس تريد عن عمد واصرار اخراج حماس من نسيجها الوطني، وأن تكون علاقتها عدائية على المكشوف مع الشعب الفلسطيني فيسهل حينئذ الهروب من جرائمها تحت سقف التصعيد العدائي.
الدكتور فتحي أبو وردة هو مسؤول وحدة العلاج الخارجي في السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة، وهو من عائلة وطنية مرموقة في مدينة جباليا، وهناك أقطاب من هذه العائلة الكريمة من مؤسسي الحركة الوطنية في قطاع غزة منذ أوائل الخمسينيات، وبعضهم من الخلايا الأولى المؤسسة لحركة فتح التي كانت مسؤولة بعد ذلك عن انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، ومنذ تحمله المسؤولية في هذا القطاع الحساس فان الدكتور فتحي أبو وردة قد بذل جهداً كبيراً في الانحياز الى متطلبات أبناء قطاع غزة، فله ألف شكر وألف تحية، ومهما كان الثمن فادحاً، فان قطاع غزة بما يحمله من ميراث الوطنية الفلسطينية لن يتراجع أمام دعاة الانفلات الأمني، دعاة العزلة، دعاة قطع العلاقة الوطنية والاختباء بالألعاب الاقليمية المشبوهة في المنطقة.
ولكن حتى ولو لم يقع هذا الحادث المؤسف ضد الدكتور فتحي أبو وردة، وحتى لو لم تحدث التفجيرات الارهابية ضد منازل قيادات فتح وضد منصة الاحتفال الرئيسي بذكرى الرئيس الخالد ياسر عرفات، فان حماس لا تستطيع أن تتبرأ أو تهرب من الأسئلة المتلاحقة، حماس الى أين؟ حماس مع شعبها أم ضد شعبها؟ حماس قادرة على المراجعة والمصالحة مع ذاتها قبل أن تتصالح مع شعبها أم أنها عاجزة عن ذلك تماماً؟
نحن الآن في ذروة الاشتباك مع الاحتلال الاسرائيلي الذي لن نقبل باستمرار وجوده في أرضنا مهما كلف الأمر، وفي الثماني سنوات الأخيرة كانت اسرائيل تجد مرتكزاً قوياً في استمرار احتلالها وتصعيد ممارساتها الاجرامية متذرعة بحليفها الموضوعي وهو الانقسام الذي ساهمت على المكشوف في صنعه لتشويه سمعة شعبنا! ورغم الجراح التي أصابت الآلاف من أبناء شعبنا جراء هذا الانقسام الأسود، وعمليات الغدر والقتل التي لحقت بالآلاف من أبناء شعبنا وقياداته على يد مجرمي الانقسام، الا أن القيادة الشرعية على رأس شعبها البطل عضت على الجراح، وتسامت على ما لا يطاق، وقررت أن تمضي بالمصالحة قدماً، وهكذا في الثالث والعشرين من نيسان الماضي تم الاتفاق في مخيم الشاطئ في قطاع غزة على الشروع فعلاً في المصالحة، وتشكيل حكومة التوافق الوطني كبداية لتجسيد المصالحة بشكل كامل، وتجسيد الوحدة الوطنية والشراكة الوطنية على كافة الأصعدة! ولكن أهل الانقسام كان لهم تدبير آخر مغاير تماماً، فلقد استدرجوا العدو، الاحتلال الاسرائيلي، بحرب تدميرية شاملة في الضفة والقدس ثم في غزة ثم في الضقة من جديد، بعمليات لا معنى لها، اعترفت بها حماس لسبب مجهول، فأعطت للاحتلال الاسرائيلي غطاء لجرائمه التي أدانها المجتمع الدولي، وكانت هذه الاجراءات الاسرائيلية تستهدف قطع الطريق على القيادة الشرعية حتى لا تواصل طريقها نحو الاستقلال الكامل، ولكن القيادة الشرعية لم تتوقف، والمجتمع الدولي لم يغلق الطريق، واذا بحماس تفاجئ الجميع بهذه التفجيرات التي نفذتها في أعز مناسبة وطنية، وهي الاحتفاء بذكرى ياسر عرفات، ونسفاً للمصالحة، وتحريضاً لاسرائيل على مواصلة العدوان.
أعرف كما يعرف الآلاف غيري، أن حماس في أغلبيتها ليست راضية عن هذا النهج الذي تتورط فيه قيادات حماس النافذة، الذين يتطاولون على شعبهم وجراحه بقوة السلاح، ويتطاولون حتى على حركتهم بخنق الأصوات وعنف السلاح.
فهل قطعت حماس أواصرها نهائياً مع الشعب الفلسطيني؟ وهل اختارت أن تكون مع الطرف الآخر حتى ولو كان الشيطان؟ وهل نرى حماس تتجرأ علناً على شعبنا وأبنائه وقياداته وحصاناته؟ أم أن هناك مجالا للمراجعة الشجاعة الشريفة؟ انطلاقاً من الحقيقة الخالدة أن حماس ليس لها في نهاية المطاف سوى شعبها والشرعية الفلسطينية، فان الشرعية الفلسطينية هي الجبل الذي نحتمي به من الطوفان.