يعود الفيلم الفلسطيني "فلسطين ستيريو" للمخرج رشيد مشهرواي مرة اخرى إلى مدينة تورنتو الكندية، لكن هذه المرة ضمن أسبوع الفيلم الفلسطيني المقرر أن تطوف فيه الأفلام الفلسطينية المدن الكندية، بغض النظر عن الانتقادات الفنية للفيلم إلا أنه حمل الكثير من جدلية الواقع الفلسطيني في ثوب الكوميديا السوداء، المهم أن موضوع الهجرة، التي تدور حولها مشاهد الفيلم، يعود مرة أخرى ليحتل مساحة أكبر في يوميات المجتمع الفلسطيني، وإن تم استبدال كندا كمقصد للهجرة بالدول الاسكندنافية التي بات الوصول إليها أكثر يسراً وتنظيماً.

بغض النظر إن كان الفيلم قد تناول الهجرة الفلسطينية بكثير من العاطفة وأقل منها بالمنطق، إلا أن الفيلم يطرح جملة من الأسئلة حول دوافع الهجرة، وبخاصة ما يتعلق منها بالعلاقة غير الصحية بين المواطن والخطاب الرسمي في شقي الوطن، العلاقة التي يجسدها سامي، الذي فقد السمع والنطق من جراء غارة اسرائيلية على بيت شقيقه ميلاد الملقب "ستيريو" الذي فقد هو الآخر زوجته في الغارة، من عمله المتعلق بتأجير معدات الصوت التي يحاول من خلالها مع شقيقه توفير المبلغ المطلوب للهجرة، المعدات الصوتية التي يتم تأجيرها للأفراح والأتراح.. للمهرجانات الخطابية التي يزخر بها الوطن ولذكريات المجازر التي ألمت بالشعب، يصل الفيلم إلى عمق تلك العلاقة حين يقرر ميلاد وضع تسعيرة للمناسبات المختلفة تتلاءم مع حجمها، سواء المتعلقة بفرح متواضع أو تلك المتعلقة باحياء ذكرى مجزرة بحجم صبرا وشاتيلا.

كندا كانت قبل سنوات قبلة الفلسطينيين لمن أراد الهجرة، ومن قبلهم فتحت ذراعيها للبنانيين أثناء حربهم الأهلية، تمركزوا في مدينة مونتريال حيث الحضور اللبناني فيها اليوم لافت للانتباه، ثم فعلت الشيء ذاته مع الصوماليين اثناء الحرب الأهلية المتواصلة، المهاجرون جاءوا إلى كندا بحثاً عن دفء في ثلوجها لا توفره لهم شمس الشرق الحامية، وجدوا فيها شعباً متصالحاً مع ذاته وبمقدوره فعل ذلك مع المقبلين إليه من الجنسيات والألوان والثقافات المختلفة، مجتمع يبحث عن توسيع القواسم المشتركة بين قاطنيه ومحاصرة نقاط الاختلاف فيه رغم قوتها وقسوتها.

ما زال رئيس وزراء كندا المنتخب يؤدي اليمين الدستوري أمام الحاكم "ممثل التاج الملكي البريطاني"، ودوري كرة السلة فيها ملحق بالدوري الاميركي "NBA "، وما أن تقطع نهر أوتاوا وسط العاصمة حتى تنتقل من مقاطعة أونتاريو الإنجليزية إلى مقاطعة كويبك الفرنسية، الأمتار القليلة تنقلك بين عالمين مختلفين ليس فقط في اللغة الرسمية المستخدمة فيهما، بل في تفاصيل الحياة بدءاً من إشارة المرور مروراً بفارق الأسعار وانتهاء بمكونات الحياة المختلفة، رغم كل ذلك التناقض استطاعت الدولة أن تحجز مقعدها بين الثمانية الكبار في العالم من الناحية الاقتصادية.

إن كانت مسألة الهجرة هي الطاغية على مشاهد الفيلم "فلسطين ستيريو"، فالمؤكد أن ادوات الفيلم تحاكي الواقع الذي نعيشه، حيث الخطابة وما تحمله من جمل فقدت قيمتها من كثرة تكرارها ما زالت محور اهتماماتنا، رغم معرفتنا المسبقة بأن مجتمعنا فقد حاسة السمع لها، لأنه عرف الحقيقة العلمية التي تقول إن الطاقة التي يستهلكها الانسان في الحديث لسنوات متواصلة لا تكفي لعمل كوب شاي.