يبدو أن اليمين المتطرف في إسرائيل لا يعرف التاريخ أو ربما أعمته عنجهية القوة عن رؤية أهم حدث في تاريخ دولة إسرائيل، وهو أنها نشأت بقرار دولي جاء نتيجة لحسابات مصالح الدول الغربية الكبرى التي كانت تسيطر على المنطقة وتقاسمتها فيما بينها، ولولا وجود إرادة دولية بدأت بوعد بلفور لما قامت إسرائيل ولما استمرت ونجحت الهجرة اليهودية لفلسطين. ولو تابعنا التصريحات الصادرة عن وزراء الحكومة الحالية من وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان ووزير الاقتصاد نفتالي بينت ووزير الإسكان أوري اريئيل وآخرين انضم إليهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فإننا سنستنتج أنهم يتصرفون كما لو كانت إسرائيل تحكم العالم وهي التي تقرر من هو على حق ومن هو المعتدي، ومن هو الأخلاقي ومن هو الذي يتنصل من القيم.
العنجهية الإسرائيلية وصلت بنتنياهو إلى مستوى اتهام إدارة الرئيس باراك أوباما بمخالفة القيم الأميركية بانتقادها لسياسة حكومته الاستيطانية ولجوئها إلى توبيخها بعد القرار بإنشاء حي استيطاني في القدس الشرقية المحتلة. الأمر الذي دعا الناطق باسم الخارجية الأميركية جوش إرنست إلى الرد على نتنياهو باستغراب محاولة نتنياهو الحفاظ على قرار حكومته بشأن البناء وراء الخط الأخضر وخاصة في القدس من خلال القول أن ردة فعل الإدارة الأميركية تتعارض مع القيم الأميركية... وأضاف أن القيم الأميركية هي التي أدت إلى أن تمول الإدارة الأميركية نظام القبة الحديدية الإسرائيلية التي أنقذت حياة الكثير من الإسرائيليين في الصيف المنصرم، عندما نجحت في إحباط مئات الصواريخ التي أطلقت من قطاع غزة نحو إسرائيل.
وفي الواقع تتصرف إسرائيل حتى تجاه حليفتها الأكبر بوقاحة تكاد تخلط بين من يقدم الدعم ومن يتلقى هذا الدعم، وربما كان الناطق باسم الخارجية الأميركية متواضعاً في ردوده بسبب الاعتبارات الانتخابية في الولايات المتحدة، وليس بسبب عدم معرفة دور أميركا تجاه حماية وجود إسرائيل وتقديم كل أشكال العون لها بما في ذلك التغطية على جرائمها. وفي المرحلة الراهنة لم تعد حكومة إسرائيل تخجل من التهجم على الحلفاء الداعمين الذين يشكلون صمام أمان بقائها، فما بالنا تجاه الآخرين وخصوصاً خصومها وأعدائها!
إسرائيل بسياستها الاستيطانية تحرج الدول الغربية التي تحرص بين فترة وأخرى على معارضة الاستيطان وتغيير الحقائق على الأرض في المناطق التي تعتبر محتلة حسب القرارات الدولية. فالاتحاد الأوروبي كما الولايات المتحدة أدان قرار إسرائيل إنشاء الحي الاستيطاني في القدس الشرقية واعتبره "يهدد حل الدولتين ويثير الشك الجدي بالتزام إسرائيل بالتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين". وطالب إسرائيل بإلغاء مخططات البناء وراء الخط الأخضر. وجدد الاتحاد الأوروبي التأكيد على سياسته القاضية بعدم الاعتراف بأي تغيير يتم في المناطق الواقعة خلف حدود 1967 وبشكل خاص القدس. وحذر إسرائيل من أن مستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل يتعلق بالتزامها باتفاق السلام وحل الدولتين. وهذا الموقف الأوروبي ليس جديداً في الواقع ولكن النبرة جديدة وتعبر عن ضيق بسياسات إسرائيل واحتمال اللجوء إلى سلاح العقوبات.
ليس سهلاً على الإسرائيليين هضم فكرة أن يفرض العالم عقوبات على دولتهم باعتبارها دولة مارقة وخارجة عن القانون الدولي، فردة الفعل على تصنيف بضائع المستوطنات في أوروبا لا تعبر عن استيعاب لما يمكن أن يواجه إسرائيل على الحلبة الدولية جراء سياسة استمرار الاحتلال والاستيطان والتهويد. وعلى ما يبدو يرجع ذلك إلى الاعتماد على دعم واشنطن التي تقدم ضمانات لإسرائيل بعدم السماح بصدور قرارات ومواقف دولية ضدها وخاصة في مجلس الأمن. فالرئيس أوباما تعهد بإحباط أي محاولة لطرح قضية الدولة الفلسطينية على مجلس الأمن الدولي خلال العام القادم وتقديم دعم عسكري لإسرائيل إذا وافق نتنياهو على تجميد الاستيطان لمدة شهرين. وبطبيعة الحال إسرائيل لن توقف الاستيطان وأميركا ستمنع أي قرار بالاعتراف بدولة فلسطين. لكن الدعم الأميركي الذي جعل واشنطن شريكاً في سياسات الاحتلال ومشجعاً لإسرائيل للاستمرار بها في إطار تجميل شكلي وخداع لأصحاب الحق لن يمنع دول الاتحاد الأوروبي من تطوير مواقفها تجاه ممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة على إسرائيل التي تتجاهل تماماً الموقف الدولي وتنكر حقيقة أنها دولة احتلال.
الاستعداد الذي عبرت عنه كل من السويد وفرنسا للاعتراف بدولة فلسطين ربما يقود دولاً أخرى في أوروبا لتحذو حذوهما وتسير على دربهما إذا ما نفذتا وعودهما باعتراف حقيقي، ومثل هذا التطور سيؤدي إلى تفاعل دولي أكثر قوة وعمقاً مع ملف الصراع ليتحول الموقف الدولي من أقوال إلى أفعال كما يجري مع الحرب على "داعش". فإسرائيل عاجلاً أم آجلاً ستجد نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي. وكما قامت إسرئيل بقرار دولي ستقوم فلسطين بنفس الطريقة ومسألة إنهاء الصراع خرجت من نطاق المفاوضات المباشرة إلى قرار وإرادة دوليين، فهل نحو قريبون من تحقيق مثل هذه الإرادة أم أن علينا أن ننتظر حتى تحدث كارثة فيتذكر العالم وجود الشعب الفلسطيني؟!!
من دون شك علينا واجب حث المجتمع الدولي وتذكيره بآخر احتلال على وجه الأرض، وهذا التذكير لا بد أن يكون من خلال خطوات متنوعة ما بين الفعل الكفاحي الميداني وبين العمل السياسي والدبلوماسي، فلا ينبغي أن ننتظر صحوة العالم الذي بات منشغلاً في أكثر من قضية ومشكلة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها