تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الدولية، حرباً إرهابية متواصلة من قبل الشريكين، الولايات المتحدة وإسرائيل، حرباً لم تتوقف منذ قيام هذه المنظمة الدولية التي تعتبر أهم شاهد على قضية اللاجئين الفلسطينيين، عنواناً للكارثة كما هي عنوان لإصرار الشعب الفلسطيني على إغلاق ملف اللجوء، بإنهاء أعمال هذه المنظمة التي ستستمر الى قيام ساعة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم والحصول على حقوقهم الضائعة.

ليس بالأمر الجديد، استمرار هذه الحرب الإرهابية على الأونروا، غير ان محاولة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، احتواء حالة المؤازرة والدعم لأهالي قطاع غزة اثر الحرب الإرهابية الإسرائيلية الثالثة، ومحاولة الحد من توابع هذه الحالة من شبه إجماع دولي على إدانة العدوان وهمجيته غير المسبوقة، أضافت أسباباً جديدة لاستمرار هذا الإرهاب الذي تمارسه كل من إسرائيل والولايات المتحدة على الأونروا.

وفي هذا السياق، يعرض حاليا على نطاق واسع، أحد الأفلام الوثائقية القصيرة في اطار سلسلة من هذه الأفلام، هو السابع، شكل - هذا الفيلم - آخر إبداعات الإرهاب على الأونروا، مستخدما صوراً ومشاهد، لم يسبق ان نشرت، اي ان جهات متخصصة، متعمدة، غير صحافية، كانت تخطط لالتقاط هذه الصور والمشاهد، لمهمة محددة في إطار الحرب الإرهابية على الأونروا، تقول عنهم وسائل إعلام إسرائيلية، ان هناك صوراً إعلامية، لكن هناك صورا حصرية التقطها "باحثون صحافيون"!!

جوهر ما يتناول الفيلم التسجيلي، المؤسسة التعليمية الفلسطينية، وعلى الأخص مدارس وكالة الغوث، واتهامات تقول المصادر الإعلامية الإسرائيلية التي تحدثت عن الفيلم التسجيلي، بأن هذه المدارس استخدمت لتخزين الأسلحة، وصناعتها، ومنصات إطلاق، إضافة الى انها كانت مراكز لأنفاق تحت الأرض، هذه الاتهامات ربما ليست جديدة، مع ان ناطقا إسرائيليا أثناء الحرب اعترف واعتذر بأن كانت هناك أخطاء في تقدير انطلاق صواريخ من مدرسة للأونروا، وقد ثبت عكس ذلك، على ما قاله الناطق.

الأخطر من كل ذلك، ان الحملة الإرهابية توسعت لتطال المنهاج التعليمي الفلسطيني المتهم باحياء ذكرى الشهداء، ليس بالنصوص والصور فحسب (!) بل ان هناك مشاهد مصورة لمعلمين وطلاب في مدرسة للاونروا هتفوا بأسماء الشهداء (!). الفلسطينيون - حسب الفيلم - متهمون بالتعلق الشديد بانهم ما زالوا لاجئين، وهذا كان وراء استخدام الإسمنت والحديد، ليس لبناء بيوت للاجئين، لأن منازلهم داخل إسرائيل وليس في قطاع غزة، لذلك تم استخدام مواد البناء لإقامة الأنفاق باتجاه وطنهم الموعود فلسطين التي هي إسرائيل - كما يشرح الفيلم - وما يزعج منتجي الفيلم، ان ميزانية الأونروا تبلغ ٥٠٠ مليون دولار سنويا، ينفق نصفها على التعليم، ربما لأن تمويل التعليم هو تمويل لكافة مجالات التنمية الأُخرى، كالصحة والاقتصاد، اذ ان التعليم هو جوهر كافة عناصر التنمية الأساسية، لذلك كان انزعاج الفيلم ومنتجيه من اهتمام وكالة الغوث بالتعليم.

أوائل عام ٢٠٠٩، نشر جيمس لندسي، بحثا عن نشاط وكالة الغوث، مطالباً الولايات المتحدة ودول العالم، بوقف هذه الوكالة وإنهاء أعمالها ودورها، وإحالة مهامها الأساسية الى السلطة الفلسطينية، ذلك - حسب زعمه - أن اتفاق اوسلو قد انهى مسألة اللاجئين بعدما بات لهم "وطن". جوهر ادعاء لندسي هذا، ان الوكالة تقوم بدور خطير وهو ان استمرار الاونروا، يعني بوضوح ان هناك لاجئين، وتوحي للفلسطينيين انه دائما ما هو إلا لاجئ يبحث عن طريق العودة الى وطنه، يتذكر الفلسطيني كلما شاهد UN على مدرسة، او مركز تموين او خلافه، انه لاجئ، وهذا هو سبب اصرار الفلسطيني على العودة والدخول في حروب وهمية وموهومة يعتقد انها سبيله للعودة. التوصل الى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيكون اكثر صعوبة مع استمرار وكالة الغوث التي تمولها الولايات المتحدة وإسرائيل - حسب لندسي - في ذلك الوقت كتبت اكثر من مقال لتفنيد آراء لندسي هذا؟

خطورة هذه الأفلام التسجيلية، أنها تأتي في إطار خطة تهدف الى الرد على تشكيل لجان دولية للتحقيق في المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، خاصة استهداف مدارس اللاجئين، خاصة وان التوقيت يتزامن مع الإعداد للمؤتمر الدولي لإعادة بناء ما دمرته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، واحتمالات كبيرة بأن تلعب الأونروا دورا رئيسيا في إعادة البناء، كونها اكثر تنظيما وشفافية من ناحية، وكونها مؤسسة دولية. منتجو الفيلم لا يرغبون بإعادة بناء المدارس، ولا عودة الطلاب للدراسة. ربما توجيه الدعم لبناء المساكن وربما العيادات الطبية على حساب "التعليم" يشكل أفضلية لهؤلاء، ذلك ان التعليم يشكل الخطر الفلسطيني الأكبر على الدولة العبرية.

ان التصدي لهذه الحرب الإرهابية على "الاونروا"، هو مهمة فلسطينية وطنية بالدرجة الأولى، فالأونروا هي احد معالم بقاء الشعب الفلسطيني وقضيته، بل انها تشكل الحاضنة للملف الأهم والجوهري في هذا القضية وهي قضية اللاجئين!!