اعتبر الكاتب حامي شاليف، المحلل في صحيفة "هآرتس"، أن عملية تسريب قرار البيت الأبيض تأجيل إرسالية الصواريخ من طراز "هيلفاير" لإسرائيل، الأخيرة ضمن سلسلة تسريبات منذ أن بدأت الحرب العدوانية على قطاع غزة، تهدف إلى عرض العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة عامة، وبنيامين نتانياهو وباراك أوباما بوجه خاص، بشكل سلبي بأكثر ما يكون.
وقال إنه ليس من الواضح ما إذا كان المسؤول عن التسريب هو "مصاب بهوس إشعال الحرائق" أو نتيجة جهد جماعي، ولكن بدون بشك فإن هناك من سعى إلى سكب الوقود على علاقات إسرائيل بالولايات المتحدة لكي تتأجج النيران. بحسب الكاتب.
وتناول شاليف ذلك في تقرير حمل عنوان "أزمة صواريخ أوباما ونتانياهو"، وقال إن هناك قائمة بالمشتبهين المباشرين ولكنها محدودة تقتصر على الذين تتوفر لديهم حوافز لتسريب ذلك، علاوة على كونهم مطلعين على المواد السرية. وبحسبه فربما يكون مسؤولون إسرائيليون يقومون بالتسريب المباشر أو عن طريق مقربين في الولايات المتحدة، وذلك بهدف الضغط على الإدارة الأميركية، وربما يكون مسؤولون أمريكيون يريدون الضغط على إسرائيل بهدف تقزيم نتانياهو، وربما أيضا يكون التسريب من قبل الطرفين اللذين وصلت أزمة الثقة بينهما إلى مستوى لا تحتويه السرية الدبلوماسية المتبعة.
يذكر أن أوباما ليس الرئيس الأول الذي يؤجل إرسالية أسلحة لإسرائيل، حيث أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيرالد فورد أوقف إرسالية طائرات "أف 15" بعد الحرب عام 1973، ومنع رونالد ريغان تزويد إسرائيل بطائرات "أف 16" بعد قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981.
ويقول الكاتب إنه يتضح من تقرير "وول ستريت جورنال" أن الحديث عن تأجيل مؤقت مرتبط بالحرب على غزة، ولكنه نابع من رغبة البيت الأبيض في السيطرة على عملية تسليم الأسلحة لإسرائيل. وأنه في كل الأحوال فإن استمرار منع تسليم الصواريخ لإسرائيل لا يساوي بالنسبة لأوباما الانتقادات التي ستعرض لها من الكونغرس ومن حزبه، كما أن المسألة تشير إلى أن التوتر الشخصي بين أوباما ونتانياهو قادر على نبش الأسس المتينة بشكل عام للدعم الأمني الأميركي لإسرائيل.
واعتبر الكاتب أن ما يحصل بين أوباما ونتانياهو مماثل للقوانين المغناطيسية، من جهة الفعالية في تعارض الأقطاب أو تماثلها. ويضيف أنهما "نيزكان تجاوزا الأجهزة الحزبية ووصلا القمة في جيل مبكر، حيث أن نتانياهو ترأس الحكومة في جيل 46 عاما، وأصبح أوباما رئيسا في جيل 47 عاما، وكلاهما من المطالعين والمتحدثين ومن خريجي الجامعات الأمريكية الرفيعة في بوسطن، ولكنهما لا يتميزان، في أقل تقدير، بخلق علاقات تقارب وثقة، سواء على الساحة الدولية أم في السياسة الداخلية، وكلاهما يشغلان منصبيهما بشكل منعزل عن باقي القيادة.
ويشير الكاتب إلى أنه كان قد طلب من أوباما في العام 2012 أن يعدد 5 زعماء في العالم يعتبرهم مقربين منه، فذكر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي لم تغفر له التجسس على هاتفها الخليوي، والرئيس المنتخب لتركيا رجب طيب أردوغان الذي أعلن مؤخرا بأنه سيقطع كل علاقة مع الرئيس الأميركي بسبب رفض التدخل في سورية، ورئيس الحكومة الهندية سينغ، ورئيس كورية الجنوبية لي، واللذين لم يعودا في منصبيهما، أما الخامس فهو رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون. وبالنسبة لنتانياهو فقد ذكر "صديقه على الهاتف" رئيس الحكومة الكندية ستيفان هاربر.
ويضيف شاليف أن أوباما وصل البيت الأبيض مع رأي مسبق ضد "اليمين اليهودي" في إسرائيل والولايات المتحدة. واقتبس عنه قوله لقادة يهود في كليفلاند قبل عام من انتخابه رئيسا "ليس من الضروري أن يكون مؤيدا لليكود لكي يكون مؤيدا لإسرائيل"، ولكنه أدرك أنه كان مخطئا بعد 6 سنوات. وفي العام 2008 لاحظ أوباما بصمات كارهيه من "اليمين اليهودي" في حملة التشهير ضده بسبب "خلفيته الإسلامية"، وتيقن من ذلك في انتخابات 2012 حيث دعم نتانياهو (رغم إنكار نتانياهو) خصمه ميت رومني.
ويشير الكاتب إلى أقوال مسؤول كبير في واشنطن لمسؤول إسرائيلي، والتي جاء فيها أن "كل خطوة يقوم بها نتانياهو يبدأها بفحص ما إذا كانت تفيد الجمهوريين، وما إذا كان شيلدون أديلسون سيدعم ذلك ( شلدون أديلسون ملياردير يهودي أمريكي وهو يميني متطرف ومقرب من نتانياهو ودعم رومني في حملته الانتخابية – عــ48ـرب).
ويضيف أن الحرب العدوانية على قطاع غزة أبرزت مجددا أن نتانياهو وأوباما لا يتحدثان بنفس اللغة، رغم أن كليهما يتقن الإنجليزية. فقد عبر أوباما بداية عن عن دعمه وبحماس لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، والعمل ضد الصواريخ والأنفاق"، ولكن هذه الحماس قد فتر مع مرور الأيام ومع استمرار ارتفاع عدد القتلى والمصابين في صفوف المدنيين الفلسطينيين. وأن أوباما فوجئ من لامبالاة نتانياهو إزاء معاناة السكان في غزة، وملّ من محاولات نتانياهو خلق تطابق مفصل بين حماس في غزة وبين داعش في العراق، كما ملّ من رفض نتانياهو الاعتراف ببديهية الأساس، وهي أن الحديث هنا عن احتلال. وحاول أوباما جعل المباحثات على المستوى الفلسطيني، في حين يجره نتانياهو إلى "تصادم الحضارات، وحرب الغرب على الجهاد".
وبحسب شاليف فإن اطلاع نتانياهو على الخطاب في الولايات المتحدة يساهم في إنشاء منطقة عازلة بينه وبين أوباما، وذلك لأن نتانياهو مقرب لليمين المحافظ في الحزب الجمهوري، ويفكر مثلهم ويتحدث مثلهم، في حين أن أوباما يجد صعوبة في خلق حوار مع خصومه في الولايات المتحدة، ويجد بالتالي صعوبة في التظاهر بأن هناك لغة مشتركة بينه وبين من ينظر إليه على أنه ممثلهم في إسرائيل.
وفي نهاية تحليله، يختتم الكاتب بالقول إنه يجب عدم المبالغة في تحميل نتانياهو المسؤولية، خاصة وأن غالبية الاستطلاعات تشير إلى أن الجمهور الإسرائيلي يشارك نتانياهو رؤيته العامة، وعلاقاته مع أوباما. ويختتم مقالته بالقول "إن تعاطف أوباما مع الفلسطينيين بدت لنا مثيرة للغثيان، وتراجعه عن الشرق الأوسط يثير فينا الرعب، بينما القيم الإنسانية والليبرالية واليسارية التي يمثلها قد دفنت نهائيا بين خرائب غزة".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها