بالحرب التي تشنها على غزة بالتكثيف الشديد للنيران، وعلى الضفة الفلسطينية بمتفرقات نارية وتعديات وتدابير خنق؛ أوصلت إسرائيل المواجهة بينها وبين شعبنا كله، الى نقطة يصعب العودة عنها. فالفلسطينيون - وليس "حماس" وحدها - لم يتبق لهم سوى حياتهم وكرامتهم، وهم مستعدون لأن يقاتلوا بما أتيح لهم من النيران، لكي لا ينجح نتنياهو ويخرج من هذه الحرب، وقد أخذ شيئين فادحين: كسر ضلوعنا، في المقاومة والسياسة، وإدخالنا الى حال الغيبوبة فلا نقوى على الحراك، عاجزين عن طرح متطلباتنا في السلم وهي التي يساندنا فيها عالم البشر ويعارضنا عالم الذئاب. الشيء الثاني هو أن يجعلنا عاجزين عن الدفاع عن النفس في الحرب. وباعتبار أن هذا مستحيل؛ يكون نتنياهو قد صعد الى الشجرة فلا يستطيع النزول عنها سريعاً، لذا سيلجأ الى المزيد من الجريمة والولوغ في دمنا، باستخدام آلة الحرب الفتاكة، التي أمده بها امبرياليون أوغاد، ما زالوا يرون اسرائيل مستضعفة ويتربص بها عالم عربي كبير من الماء الى الماء يريد الإجهاز عليها!
طالما أن ممر نتنياهو وحكومة الاستيطان والتطرف والحرب، هو الذهاب الى الحدود القصوى لجريمة الحرب؛ فإن الفلسطينيين والعرب والعالم، باتوا أمام اختبار صعب، لا تنفع فيه البيانات ولا الإدانات. لا بد من البدء بإجراءات متدحرجة مثلما تتدحرج القذائف، لإسقاط منطق هؤلاء العنصريين والبرهنة لشعبهم على أن حكومتهم ما زالت تُلحق بهم الخسارة تلو الأخرى. ولا خسارة يقتنع بها شعب المستوطنين، ما لم تكن ظاهرة وملموسة ومؤثرة. هناك الكثير من الخطوط التي فتحتها حكومة التطرف والحرب، في العالم العربي، وقد تأسست لهم هوامش ومصالح. هذه ينبغي أن تُقطع فوراً وأن تُستبدل بنقائضها، وليعلم القاصي والداني، أن استمرار الخذلان في العالم العربي، واستمرار أكثرية القوى العظمى في محاباة اسرائيل؛ هو الذي يؤسس للحرب، ويتهدد مصالح الأمم في هذه المنطقة، وليعلم الجميع أن الفلسطينيين لن يعودوا عن قرار الدفاع عن مصيرهم وعن حقهم في الاستقلال والحرية. وستظل المقاومة حاضرة ما لم ينكفئ هذا العدو الجامح، ويلتمس لنفسه طريقاً الى حومة البشر. إننا ندافع عن الآدميين كلهم، ونقف في خندق الدفاع الأول، في معركة البشر مع الكلاب. كان وما زال الأشرف والأوجب والأسلم، أن يقف العالم مع البشر ضد الكلاب المسعورة!
لا نرى منطقاً، فيما قيل حتى الآن عن تهدئة متبادلة. نعلم أن نتنياهو وحكومته، يرون حرجاً في وقف القصف، مع إعادة الأمور الى سيرتها الأولى بإطلاق سراح الذين أعيد اعتقالهم، أو اعتقلوا، وبوقف التعديات في الضفة، على أساس أن وقفها يؤجج المواجهة المرة تلو الأخرى. الضغط العربي والدولي، ربما يساعده، ويجعله يكتفي بالإفلات من عواقب الجرائم التي اقترفها طيرانهم وجيشهم، وإعادة الأمور الى مرحلة أسبق. معادلات السياسة اليوم، تجعله يفلت، لكن سنن التاريخ ليست كمعادلات السياسة. لكل شيء نهاية. وسيكون لعربدة القوة والنار الإغراقية نهايتها. إن ما يحدث اليوم، يتهدد كل العروش والكيانات التي بلا مآثر وبلا مواقف. ليستجمع العرب والفلسطينيون إراداتهم، لمواجهة هذا الوحش الظلامي المنتمي الى عصور ما قبل الكتابة!