في صبيحة اليوم التاسع من حملة العربدة المجنونة التي تنخرط فيها إسرائيل كلها ضد شعبنا من أقصى شمال جنين إلى أقصى جنوب الخليل, وعلى امتداد الأرض والبحر والسماء في قطاع غزة, تحت عنوان البحث عن ثلاثة مستوطنين شباب مختفين بفرضية أنهم مختطفون, أطلق جنود الاحتلال النار بكل تعمد وسابق إصرار ودون أي عذر أو شبهة, على الطفل ابن الثالثة عشرة من عمره, محمد دودين من مدينة دورا, طفل حقيقي وليس افتراضياً, ولأنه طفل فإنه لم يكن في حالة اشتباك مسلح, ولم يكن في حالة تربص, ولم يكن في حالة تضعه في دائرة الاشتباه, ومع ذلك قتله جنود الجيش الإسرائيلي, وقتلوه ضمن تسلسل الأمر العسكري, بمعنى أن الجنود الذين قتلوه هم جنود في مجموعة, والمجموعة جزء من وحدة عسكرية, والوحدة العسكرية جزء من تسلسل عسكري يصل إلى رئيس الإركان, وإلى وزير الدفاع وإلى رئيس الوزراء نتنياهو, أي أن هؤلاء جميعا يتحملون مسؤولية قتل محمد دودين, لأنه قتل متعمدا, في حملة عسكرية إجرامية معلنة، وهذه الحملة تتصاعد يومياً، تغذيها الادعاءات السياسية والأمنية الزائفة تماماً التي يطلقها قادة إسرائيل، الذين لا يرتفع صوت واحد ضدهم في دولة إسرائيل، لا في الحكومة، ولا في الكنيست، ولا في هيئات المجتمع المدني الإسرائيلي، ولا في مؤسسات القضاء، بل إن الإعلام الإسرائيلي نفسه يكاد يصمت صمت القبور على هذه الحملة العدوانية المعربدة التي تزيدنا يقيناً أن إسرائيل بعد أكثر من ستة وستين عاماً على إنشائها بقرار دولي، وعدوانها بغطاء دولي، لا تزال ملتصقة بجوهرها الأصلي، أنها عصابة، خارج التزامات الدول، وخارج إطار القانون الدولي، وخارج قرارات الشرعية الدولية، وخارج قوانين التاريخ الإنساني نفسه.
إسرائيل دولة وحكومة وجيشاً ومؤسسات تقوم بمعاقبة الشعب الفلسطيني تحت عنوان حادثة غير مؤكدة، حادثة اختفاء ثلاثة من المستوطنين، هل هم مختفون قسراً أم أنه قد يتضح أن الحقيقة شيء آخر؟ وهم اختفوا في منطقة ليس للسلطة الوطنية أية ولاية أمنية عليها، وأن ابلاغنا عن اختفائهم جاء متأخراً جداً قياساً إلى المعايير الأمنية، لأنه جاء بعد أكثر من اثنتي عشرة ساعة بحيث يصبح الإبلاغ غير مجد، فهل هذا مقصود؟ كما أن طريقة الرد الإسرائيلي منذ اللحظات الأولى لا تدل على أن هذه الجحافل الجرارة التي تدعي البحث عن المختفين أو المختطفين، انما تقوم باستفزازات تفوق القدرة على الاحتمال، الأمر الذي يشي بأن سلامة المختطفين ليست هي الأولوية الأولى لدى هذه الجحافل المعربدة ومن يحركها.
وفي البانوراما الأوسع مدى، فإن هذه الحملة من العدوان والعربدة هي جزء من سياق طويل بمعاقبة القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني على إنجاز المصالحة، وعلى ذهاب القيادة إلى عضوية المنظمات الدولية، مع أن الأمر لم يكن مفاجأة، وكانت حكومة نتنياهو بكل أجهزتها الدبلوماسية والعسكرية والأمنية تعلم أننا ذاهبون إلى المصالحة كأولوية أولى، أقله لأن إسرائيل كانت تعيرنا بالانقسام، بعد أن كانت هي نفسها التي وضعت اللبنة الأولى، وكانت تطمح من وراء ذلك الانقسام الى إنهاء القضية الفلسطينية عبر دفنها في رمال سيناء مثلما جاء في الاتفاق الإسرائيلي مع الرئيس المخلوع الدكتور محمد مرسي، ولكن ثورة الشعب المصري الثانية في الثلاثين من يونيو 2013 أنقذت مصر وأنقذت القضية الفلسطينية.
الرئيس أبو مازن، رأس الشرعية الفلسطينية أدان في المحافل المحلية والعربية والإقليمية عملية الاختطاف – إن كانت تمت بالفعل – واعتبرها عملاً موجهاً ضد مصلحتنا الوطنية، وعبر تشكيل واضح عن أمنيته الصادقة بأن تعثر إسرائيل على المختفين وهم أحياء، هل هناك مسؤولية أعلى من ذلك وشجاعة أعلى من ذلك؟ فإين هو الرد الإسرائيلي؟ وهذا يضعنا أمام سؤال كبير كانت تتردد أصداؤه منذ سنوات، على امتداد حكومتي نتنياهو، لماذا اختار نتنياهو عن عمد وإصرار ائتلافه الحكومي على هذا النحو، لماذا انتقى أن يكون إلى جانبه قادة التطرف، وقادة الاستيطان، عبيد الحقد والكراهية والعدوان؟
والجواب يتضح أكثر وأكثر، من خلال هذه الحملة المعربدة التي تدخل اليوم العاشر والتي قد تطول كثيراً، هو لا يريد أن يغادر مقعد رئيس الوزراء، وبالتالي لابد أن يختار أشخاصاً بالنسبة لهم مقعد في الحكومة أهم ألف ألف مرة من إسرائيل وأمنها، ومن فلسطين وأمنها، وأهم من العالم كله، انظروا إلى شركاء نتنياهو في حكومته الحالية، أصوات مجعجة بادعاءات كثيرة، ولكنهم في اللحظات الحاسمة يعيشون تحت أقدامه لضمان بقائهم في الحكومة، لا رأي، لا اجتهاد، لا رؤية إلى المستقبل، لا شيء سوى التهليل الصاخب لما يقوله نتنياهو الذي هو نفسه لا يصدق نفسه.
هذا استدعاء للعنف لا ينكره أحد، هذه العربدة المجنونة، هذا الإذلال المتعمد لشعب كامل، عدم الالتفات إلى السجناء المضربين عن الطعام مع أن قضيتهم عادلة، إنهاء الحجز الإداري الذي يستمر لسنوات لأنه لا يوجد دليل واحد على تهمة توجه لهم، وإعادة اعتقال عشرات من المعتقلين الذين أفرج عنهم بصفقة شهد عليها ورحب بها العالم كله، صفقة شاليط!!! هل هذه دولة أم عصابة؟ هل هذا عمل سياسي أم تفجير عدواني؟ نحن صابرون، ونحن ماضون قدماً في رؤيتنا، بإزالة الاحتلال وهو حتماً زائل لا محالة، حتى ولو وصل الأمر بنفاق المجتمع الدولي لانتخاب إسرائيل في لجنة لتصفية الاستعمار! صورة مشوهة للنفاق وازدواجية المعايير وغياب الفعل العربي والإسلامي المشترك عن الحضور، ولكن هذا كله لن يفيد.
كيف تنظر إسرائيل إلى نفسها/ بقلم يحيى رباح
21-06-2014
مشاهدة: 954
يحيى رباح
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها