هل تكون مقدمة لانسحاب أحادي للاحتلال؟

بقلم: هيثم زعيتر:

فتح العدوان الذي تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، كافة الاحتمالات على مصراعيها، تحت ذريعة البحث عن 3 مستوطنين إسرائيليين فُقِدوا الخميس 12 حزيران الجاري، بالقرب من مستوطنة "غوش عتصيون" الاستيطانية في منطقة الخليل، التي تقع شمال مدينة الخليل وإلى الجنوبي من مدينة بيت لحم، وتُعتبر من أهم مراكز الاستيطان الإسرائيلية داخل الضفة الغربية.

هذه الذريعة اتخذتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتقوم بحملة عدوان واسعة تستهدف القصف والإغارة على قطاع غزة والمزيد من عمليات الدهم والاعتقال والتضييق في الضفة الغربية، وخاصة الخليل، فضلاً عن تقطيع أواصل مناطق الضفة الغربية، وهي تحمل جملة من المخاطر التي باتت تشكل إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، خاصة أنّ ما يجري هو في أراضي دولة فلسطين – أي ضمن حدود الـ 67، التي اعترفت بحدودها الجمعية العمومية في "الأمم المتحدة"، حيث تُعتبر أراضي دولة تحت الاحتلال، وما تقوم به سلطات الاحتلال يُعتبر جريمة حرب لمخالفة القانون الدولي واتفاقات جنيف، ما يوجب محاسبة الكيان الصهيوني عليها.

وكشفت مصادر فلسطينية مطلعة أنّ القيادة الفلسطينية "شرعت في إجراء اتصالات مكثّفة لعقد جلسة عاجلة لـ "مجلس الأمن الدولي" لوضع حدٍّ لهذا العدوان الغاشم والمستمر، والتوجّه إلى الجهات والمنظّمات الدولية من أجل توفير الحماية لشعبنا".

وفي ضوء ذلك، فإنّ احتمالات توجّه فلسطين إلى المحافل الدولية بات أكثر إلحاحاً، خاصة أنّه لم يتم تبنّي أي جهة لعملية خطف المستوطنين الثلاثة.

وأكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أنّه لا دليل على مسؤولية حركة "حماس" عن خطف الإسرائيليين الثلاثة المفقودين في الضفة الغربية منذ أيام".

في المقابل، أكدت وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "أخطأ حينما هاجم الرئيس الفلسطيني "أبو مازن" في بداية أزمة المختطفين الثلاثة"، آملةً "العمل مع الحكومة الفلسطينية بقيادة الرئيس "أبو مازن" ومعرفة إذا من الممكن العودة إلى مفاوضات السلام من جديد".

عملية فقدان أثر المستوطنين الثلاثة، جاءت بعد أيام من حديث رئيس جهاز "الموساد" تمير فاردو خلال توجيه الكلام إلى رئيس "حزب البيت اليهودي" نفتالي بينيت قبل أسبوع خلال جلسة المصادقة على قانون حظر الإفراج عن أسرى المؤبّدات، والذي قال له: "ما الذي ستفعله إذا ما خطفوا ثلاث فتيان من إحدى المستوطنات بعمر 14 عاماً، هل ستقول في حينها إنّنا لن نُفرِج عن مخرّبين؟".

وتحدّثت مصادر متابعة عن أكثر من "سيناريو" لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي بشأن عملية خطف المستوطنين الثلاثة جلعاد شاعر، نفتالي فرنكو وأيال يفراح.

ومن "السيناريوهات" المطروحة أنْ يكون المختطفون الثلاثة على قيد الحياة، أو أنْ يكون قد تم أسرهم وقُتِلوا، أو هناك مَنْ يحاول نقلهم إلى خارج الضفة الغربية، أو أنّ سلطات الاحتلال تسعى إلى إبقاء الجهة الآسرة سِرّاً، لأنّها اتهمت حركة "حماس"، وبالتالي سيُتيح لها ذلك مطاردة كوادر وعناصر "حماس" وتعقّبهم واعتقالهم واختطافهم كرهائن، وأيضاً ربما إلى إبعادهم.

وهذا يحقّق المخطّطات الإسرائيلية بضرب البنية التحتية لحركة "حماس" في الضفة الغربية وتوظيف ذلك إعلامياً وسياسياً ودولياً، على غرار ما جرى توظيفه خلال عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.

ولا يستبعد متابعون أنْ تكون هذه الخطوة لتنفيذ مخطّطات قديمة، ومنها مخطّط أولمرت الذي كان يقضي بالدخول إلى الضفة الغربية وتنظيف جيوب المقاومة، ومن ثم إعلان انسحاب أحادي الجانب، وليس أدل على مثل هذه الأفكار، إلا ما طرحه نتنياهو خلال اجتماع عقدته لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست بتاريخ 3 حزيران الجاري، وأعلن فيه عن أنّه "علينا الانفصال عن الفلسطينيين، وقد جاء الوقت لننفصل عنهم".

كما إنّ السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية مايكل أورن – المقرّب من نتنياهو – أطلق خطته تحت اسم "الخطة ب" ردّاً على "الخطة ب" التي يُعدّها الفلسطينيون للتوجّه إلى المنظّمات والمؤسّسات الدولية إذا ما فشلت جهود السلام.

والانسحابات الأحادية المفاجئة للإسرائيليين ليست جديدة، بل جرت في جنوب لبنان في أيار 2000 بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي – آنذاك- أيهود باراك، من دون تنفيذ القرار الدولي 425، فيما بقيت مزارع شبعا تحت الاحتلال.

كما انسحبت قوّات الاحتلال من قطاع غزة في العام 2005 ضمن خطة عُرِفَتْ - آنذاك- بخطة "فك الارتباط الأحادي الجانب"، وأُخلِيَت في ضوئها 21 مستوطنة في القطاع بقرار من رئيس الوزراء الإسرائيلي – آنذاك – أرييل شارون.

ويعني انسحاب "إسرائيل" الأحادي من الضفة – إذا ما تم، تراجع قوّات الاحتلال إلى حدود الجدار الفاصل لمناطق تختارها بنفسها، وإخلاء مستوطنات محدّدة – أي أنّ ذلك سيُعطي "إسرائيل" فرصة رسم حدود الضفة الغربية وفق ما تراه مناسباً وضم المستوطنات التي تختارها، حيث إنّ الجدار الذي رسمه الكيان الصهيوني يسمح بضم 107 مستوطنات إسرائيلية من أصل 199 مستوطنة، يبقى متواجداً فيها قرابة 500 ألف نسمة يشكّلون ما نسبته 80% من عدد مستوطني الضفة الغربية.

وهذه الخطوة تعتبرها "إسرائيل" تُنهي صفة الاحتلال، والإبقاء على تواجد الفلسطينيين داخل الضفة الغربية في مناطق منعزلة بعضها عن البعض الآخر، وهو ما طرحه الإسرائيليون بداية العملية السلمية - أي وضع الفلسطينيين في مناطق حكم ذاتي، وإذا أرادوا أنْ يُطلِقوا اسم دولة على تلك المناطق، فليكن.

وهذا يُعتبر تجسيداً لفكرة "خطة موفاز" لدولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، وهو ما وافقت عليه بعض القوى الفلسطينية ودولٍ إقليمية، فيما رفضته السلطة الفلسطينية الوطنية.