الى أن يثبت بالدليل القاطع أن هناك بالفعل عملية اختطاف لثلاثة من المستوطنين جرت يوم الخميس الماضي حيث الأحتمالات الأخرى كلها مفتوحة, فانه من المفيد التذكير ببعض الحقائق البسيطة التي يعرفها الجميع سواء في فلسطين أو اسرائيل أو لدي المجتمع الدولي.
أولا : من الذي قام باستدعاء عملية الخطف هذه ان كانت صحيحة؟ أليست هي الحكومة الاسرائيلية نفسها من خلال خطابها وسلوكها السياسي الذي أفشل عملية المفاوضات, وتركت الحبل على الغارب لقطعان المستوطنين ليقوموا على مدار اليوم والساعة والدقيقة بأستفزاز الشعب الفلسطيني واذلاله في مدنه وقراه من خلال موجه عارمة من السلوك الارهابي التي كان من نماذجها جماعة تدفيع الثمن الذين وصفوا من قبل الصحافة الاسرائيلية ومن قبل بعض المسؤولين الاسرائيلين أنفسهم بأنهم ارهابيون, وبأنهم نازيون يهود, وبأنهم خطر على الأمن الاسرائيلي نفسه! فماذا فعلت حكومة نتنياهو في مواجهة هؤلاء؟ وهل يوجد انسان عاقل يمارس السياسة ممكن أن يتجاهل أن سلوك المستوطنين وجرائمهم وعمليات الايذاء والاذلال التي يمارسونها باستمرار ستخلق ردود أفعال حتمية سواء على صعيد فلسطينيين كأفراد أو مجموعات أو فصائل! وانه لا يمكن لأحد أن يلعب بالنار دون أن يتوقع أن يشتعل حريق! فلماذا الحكومة الاسرائيلية تنكر مسؤوليتها وتسارع الى اللغة المكررة غير المقنعة بتوجيه الاتهام الى السلطة الفلسطينية وتصعد هذا الاتهام بهذا النوع من الممارسات التي نشهدها منذ الخميس الماضي !.
ثانياً: منذ نهاية تموز الماضي انفتحت أمام الفلسطينيين والاسرائيليين فرصة ثمينة عندما بدأت المفاوضات برعاية أميركية, ولقد ذهب الجانب الفلسطيني بعقل مفتوح الى تلك المفاوضات, فماذا فعل الجانب الاسرائيلي سوى قتل تلك الفرصة, واغلاق كل الطرق, لدرجة أن المفاوضات أنتهت بالفشل الذريع. فكيف لدولة تمارس الاحتلال الذي هو غير شرعي, وتواصل الاستيطان الذي هو غير شرعي, أن تغلق كل الابواب, وتقتل كل الفرص, وتحمي ارهاب المستوطنين, أن تفاجأ اذا حدث رد فعل مهما كان بسيطاً ازاء ذلك كله.
ثالثاً: المنطقة التي يقال انه حدث فيها الاختطاف تقع تحت الولاية الأمنية المطلقة للاحتلال الاسرائيلي, لدرجة أن بعض المطلوبين للسلطة الوطنية قضائياً لا تستطيع السلطة أن تصل اليهم اذا ذهبوا الى تلك المناطق التي تخضع للولاية الأمنية الاسرائيلية, فكيف تتحمل السلطة الوطنية المسؤولية عن أحداث لاتقع تحت ولايتها؟ والمهم أن نذكر هنا أن محافظة الخليل التي يعيش فيها أكثر من سبعمائة ألف فلسطيني يخضع قرابة خمسة وثمانين بالمئة منها الى الأمن الاسرائيلي! فلماذا تهرب الحكومة الاسرائيلية علنا من هذه الحقائق.
رابعاً: ان عملية الاختطاف ان ثبتت بالفعل, تمت في وقت يتعالى منه صوت قضية انسانية من الدرجة الأولى, وهي قضية المعتقلين الفلسطينيين الاداريين, أي المعتقلين الذين لم تسند اليهم أية تهمة, ولم تجد الحكومة الاسرائيلية دلائل تقدمهم بموجبها الى القضاء الاسرائيلي الظالم أصلا, وأن عشرات من هؤلاء نقلوا منذ فترة الى مستشفيات تحت حالة الخطر,وأن الحكومة الاسرائيلية تتجاهل أوضاعهم وحقوقهم, بل هي ترتكب ضدهم جريمة اضافية, من خلال تغذيتهم قسرياً, ألا تدرك اسرائيل أن لهؤلاء المعتقلين الاداريين أهلا وشعبا وكرامة, وأن تجاهلهم الى هذا الحد, والاستهانة بحقوقهم وحياتهم سيكون له ردود أفعال ان عاجلاً أم آجلاً.
الفكرة الرئيسية في هذا السياق الطويل هي موقف المجتمع الدولي, وخاصة موقف الادارة الأميركية, وهي الشاهد على كل ما يجري, أين موقفها من كل هذه العربدة ؟ أين موقفها من كل هذا الاحتقان الذي تسعى اليه الحكومة الاسرائيلية!! والى أين ستصل الأمور اذا ظلت اسرائيل تفعل ما تريد, واذا ظل المستوطنون يعربدون كما شاءوا, واذا بقي المنطق الاسرائيلي يستخدم الشيء ونقيضه في اللحظة نفسها, واذا بقي الانسان الفلسطيني يدفع الثمن دون توقف, واذا بقى الأفق مغلقاً, فهل هناك معادل موضوعي لكل ذلك سوى الانفجار الذي نحرص أن لا نصل اليه؟