يحتمل اختفاء الفتية المستوطنين الثلاثة اكثر من تفسير وقراءة, فالأمر يبدو كعملية لمولود جديد من الجماعات الناشئة في المنطقة, ترغب بالاعلان عن نفسها, دونما حساب لتداعياتها وانعكاساتها الأمنية والاقتصادية والسياسية على الوضع الفلسطيني, مع التأكيد ان هدف هذه الجماعات بمثل هذا النوع من العمليات تقديم المبررات لحكومة دولة الاحتلال لضرب عصب الأمن الذي يعتبر أهم الأوراق القوية بيد السلطة الوطنية. وهو الهدف نفسه الذي تسعى اسرائيل لتحقيقه لاقناع الرأي العام الدولي بضعف قدرة القيادة الفلسطينية على السيطرة, فهذه العملية ان لم تكن عملية اخفاء اسرائيلية مقصودة لتحقيق الهدف المذكور اعلاه, فانها منحة مجانية لاسرائيل من جماعة او قوة اقليمية ما تلتقي مع اسرائيل على ذات الهدف, وهو التأثير على دول كبرى صديقة للشعب الفلسطيني لسحب اعترافها بجدارة الأجهزة الأمنية الفلسطينية, واضعاف ثقة هذه الدول بامكانية نجاح حل الدولتين.
ندرك جيدا أن انطلاق حملات التشهير والتشكيك بالأجهزة الأمنية بالتزامن مع معالجتها عملية اختفاء المستوطنين الثلاثة مقدمات لاضعاف هيبة ومعنويات ومكانة الأجهزة الأمنية تمهيدا لانفلات أمني يحلم به المشتغلون على انهيار كيان السلطة الوطنية, فهؤلاء كما فعلوا في قطاع غزة معنيون بإحداث فجوة ما بين مناضلي الأجهزة الأمنية وجماهير الشعب الفلسطيني, كمقدمة للانقضاض والحلول مكان قوات الاحتلال الاسرائيلي حال انسحابها من طرف واحد!.
يعلم القاصي والداني ان حكومة نتنياهو اتخذت من اختفاء المستوطنين الثلاثة سبيلا لتنفيذ حملات امنية لم تشهدها الضفة الفلسطينية منذ انتهاء عملية السور الواقي التي توجتها قيادة دولة الاحتلال بحصار المقاطعة وتسميم القائد الرئيس ياسر عرفات، وهنا لا نستبعد اختلاق ظروف مناسبة لتدحرج كرة الثلج العسكرية الاسرائيلية, لتتشكل معها خارطة امنية جديدة, يكون شعبنا وامنه وسلامته واقتصاده ضحيتها والخاسر الأكبر منها.
نخشى من علاقة مباشرة بين عملية اختفاء المستوطنين, وبين عملية اخفاء حدود دولة فلسطين, فهذه العملية بما سيتم ترويجه وتسويقه اعلاميا بجميع اللغات, ستكون حجة اسرائيل الكبرى, للحفاظ على أطماعها الكبرى في حدود دولة فلسطين المعترف بها عالميا..فنحن امام تطورات وأحداث درامية قد نشهد فصولها في الايام المقبلة.
قد تكشف لنا الأحداث عن وجوه لا نعرفها من قبل, لا تعبا بمصير ومصالح الشعب الفلسطيني.. لكنا لن نتفاجأ أذا رأينا أشخاصا نعرفهم وقد انخرطوا حتى العظم في هذا المخطط الجهنمي.. فماذا سيكون حكم الشعب حينها؟