انتخب البرلمان الإسرائيلي رئيس الدولة العاشر، روبي ريفلين، من حزب الليكود، بعد أن شهدت الحملات الانتخابية صراعاً حاداً تميز بالتشهير والتحريض بين خمسة مرشحين، وهو الرقم الأعلى للترشيح للرئاسة الإسرائيلية منذ قيام الدولة العبرية، ويعتبر فوز ريفلين ضربة حادة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي كان يعارض ترشيحه للرئاسة، ما دفع نتنياهو أكثر من مرة لمحاولة تأجيل الانتخابات الرئاسية والدعوة أيضاً إلى سن قانون يتيح للجمهور الإسرائيلي انتخاب الرئيس مباشرة وليس من خلال الكنيست كما هو الأمر عليه الآن.
كان ريفلين قد ترشح مقابل شمعون بيريس قبل سبع سنوات، إلاّ أنه لم يتمكن كما بات معروفاً من الفوز. إصرار ريفلين على الاستمرار في التقدم للترشح للرئاسة يعود بين أسباب عديدة إلى مسألة عائلية شخصية، ذلك أن والده يوسف يوئيل ريفلين كان قد تقدم كمرشح للرئاسة عام 1962، إلاّ أنه انسحب قبل ساعات من التصويت عندما أدرك أنه لن يتمكن من الفوز، وظل هذا الحلم يراود ولده الذي نجح بالأمس في تحقيق هذا الحلم.
وكما هو معروف، فإن الرئيس الإسرائيلي لا صلاحيات جدية له، وهو مجرد رمز يلعب دوراً بروتوكولياً وتكريمياً، رجل احتفالات ومناسبات، واستقبال السفراء المعتمدين، وتكليف رئيس الحكومة المكلف بعد الانتخابات التشريعية في اطار محدد سلفاً، أي انه لا يملك خياراً خاصاً به في هذا التكليف، إلاّ أن أهم مهمة للرئيس الإسرائيلي، هي تلك المتعلقة بالإعفاء من الأحكام القضائية، إذ بإمكانه العفو عن أي محكوم، إلاّ أن هذه المهمة، ستصادر قريباً، بعد أن عرض على الكنيست مشروع قانون، ينزع هذه المهمة من الرئاسة، وفي الغالب فإن إقرار هذا المشروع بات أمراً يحتاج إلى وقت قبل إقراره.
ومن الطبيعي أن يستقيل ريفلين من الكنيست بعدما أصبح رئيساً "لكل الإسرائيليين ورغم خلافه مع نتنياهو، إلاّ أنه سيصبح يداً طيعة له، وفقاً لأحكام قانون الأساس الإسرائيلي، على خلاف سلفه رئيس الدولة "السابق" شمعون بيريس، الذي خرج مراراً على هذا القانون، وتدخل في الشأن السياسي رغم الحظر على من هو في موقعه التدخل بالشأن السياسي، فقد استثمر بيريس مكانته ورمزيته، إسرائيلياً ودولياً، ليقول رأيه في المواقف الذي اتخذها نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الإسرائيلية، وتحديداً على ملفي العلاقة مع الولايات المتحدة، وملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية.
ولكن مع وصول ريفلين إلى سدة رئاسة الدولة العبرية، فإن هذه الرئاسة ستعود إلى حجمها الطبيعي، إذ ان حالة رئاسة بيريس هي حالة خاصة من الصعب أن تتكرر نظراً لمكانة هذه الشخصية التاريخية والمتمرّسة في اتخاذ المواقف السياسية في أي موقع كانت تحتله.
كيف صوت النواب العرب في الكنيست ؟! كالعادة انقسم النواب العرب إزاء الوقوف إلى جانب أحد المرشحين كوحدة واحدة، في الغالب صوتوا لمنافس ريفلين، إلاّ أن بعض التسريبات أكدت أن بعض النواب صوتوا لصالح ريفلين في الجولة الثانية بعد ما تبين أنه الأكثر حظاً في النجاح، كذلك فإن القوى الليبرالية صوتت لصالح ريفلين كونه أكثر ديمقراطية مقارنة مع المرشحين الآخرين.
ورغم الادعاء بأن ريفلين أكثر ديمقراطية، فيما يتعلق بالشؤون الداخلية الإسرائيلية، إلاّ أنه صهيوني عنصري بامتياز فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية، فهو مع إسرائيل من النهر إلى البحر، يرفض العملية التفاوضية من حيث المبدأ، كونه ضد قيام دولة فلسطينية، كما أنه يشجع استمرار إسرائيل في العملية الاستيطانية خاصة في القدس المحتلة.
لكن ريفلين، كانت له مواقف ذات طبيعة ديمقراطية داخلية كما أسلفنا، ويتذكر اليسار الإسرائيلي وبعض النواب العرب موقفه إزاء النائب حنين الزعبي، فعندما أيدت الزعبي محاولات فك الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وبينما اندفعت إسرائيل لمواجهة سفينة مرمرة واقتحامها من قبل القوات البحرية الإسرائيلية، رفعت الزعبي يافطة تدعو إلى إنقاذ الجرحى الأتراك، حينها تقدم وزير الداخلية السابق ايلي يشاي وأعضاء كنيست آخرون، بطلب رفع الحصانة عن الزعبي وإدانتها وتجريدها من الجنسية الإسرائيلية، إلاّ أن رئيس الكنيست في ذلك الوقت، ريفلين، رفض تمرير هذه التوصية ولم ينجح يشاي والنواب الآخرون في إدانة الزعبي.. هذا الموقف يتخذه بعض أطراف اليسار والليبرالية في إسرائيل للتدليل على مواقف ريفلين الديمقراطية، ما يتنافى بطبيعة الحال مع الرؤية الشاملة للديمقراطية في الوقت الذي يعتبر ريفلين أحد أبرز العنصريين عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين وحقوقهم.
وفي كل الأحوال، فإن هذا المتغير، لن يغير شيئاً على المسار السياسي للدولة العبرية ولن يضيف أو يختصر أي موقف بقدر أن يشكل حالة من حالات التغيير الموضعي.. لا أكثر!!
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها