ليس بعيداً عن مقر المقاطعة في مدينة رام الله، وهنا على هذا الرصيف يجلس رجلٌ ذو ملامح افريقية ،افترش الأرض وربما ما زال يبحث عن سماء يلتحفها، بعد أن ضاقت دنياه ولم يجد منها ما يريد حسبما يقول  لغته العربية "المكسرة" لم تسعفه، لينطق لسانه بما يجول في خاطره، وعن السبب الحقيقي الذي القى به في هذا المكان.

شهاب الدادي كما يعرف عن نفسه، سوداني هاجر من السودان إلى إسرائيل "التي صورت له بأنها جنة" بحثا على لقمة عيش وكذلك عن حياة أفضل تبعده عن البؤس والشقاء الذي عاشه كما يقول هناك في الخرطوم .شهاب وما أن تشاهده، حتى ترى صورا شتى للبؤس والألم الذي يعشيه أبناء وطنه هناك، فقر وجوع وبطالة وحياة أجبرت الآلاف من أمثاله الهجرة إلى إسرائيل والى دول أوروبا والخليج بحثاً عن الأمل وعن لقمة هنية .

الدادي لخص مسيرته الطويلة بكلمات غريبة ليس لها معنى، ولكن إذا ما لملمتها، ستجد أنه يتحدث عن مسيرة مئات الكيلومترات من اجل أن يصل إلى رام الله وأضعاف هذه المسافة تقريبا سارها ليصل من السودان إلى مصر ثم تل ابيب وهو يحمل حقيبة ذات اللون الزهري والتي قد تعتقد للوهلة الأولى انه يحمل فيها ملابس وحاجات للنوم، لكنها لم تحتوي على كم من الصحف والمجلات العبرية جمعها أثناء جولته المكوكية في أحياء تل أبيب.

شهاب اليوم في رام الله ليس للبحث عن العمل كما يقول بل جاء للقاء الرئيس محمود عباس بعد ان عين نفسه سفيراً يرغب في ايصال رسالة "رغم انه لم يكلف بها" من الرئيس السوداني عمر البشير الى نظيره الفلسطيني، الذي لم يستطع ان يلفظ اسمه كما هو مطلوب والاسوأ من ذلك أن من أعطاه عنوان الرئيس قال انه يقيم في مدينة قلقيلية ويجب أن يستقل حافلة لهناك لتحديد اللقاء .

شهاب وبتحليل ما قاله، فإنه اليوم في رام الله يعمل على إعداد دراسة عن أوضاع "الرجل والمرأة في فلسطين" بعد أن قال بأنه، محلل يحلل أوضاع النساء في إسرائيل وأوضاع الفلسطينيين والإسرائيليين دون أن يعرف أن هناك صراع منذ عقود عدة على هذه الأرض بين من جاء من عندهم يوم أمس ومن هو مقيم عندهم اليوم.

حكايات كثيرة يحملها هذا الشخص ذو الملابس الغريبة الملونة والمهترئة والشعر الاشعث والمغبر، ربما لن تمكنك من معرفة خارطة تفكيره ،لكنها بالتأكيد تعرفك على حياة مريرة عاشها خلال الفترة الماضية ونتيجة أنه وقع ضحية أكاذيب كثيرة أوصلته إلى رام الله.