بقلم: رفعت شناعة

إنّ التوافق على إعلان المصالحة الفلسطينية، والتعهد من  الجميع بطي صفحة الانقسام الأسود لم يكن حدثاً عادياً، وانما شكل هذا الاعلان مفصلاً سياسياً مهماً في المسيرة الوطنية للشعب الفلسطيني.

فقد سبق إعلان المصالحة جهودٌ مضنية ومكثَّفة لوضع بنود الاتفاق الذي أجمعت عليه كافة الفصائل والقوى الفلسطينية ووقَّعت عليه في القاهرة.

هذه الخطوة تمَّ اعتمادها بعد مشاورات معمَّقة خاصة بين قيادتي فتح وحماس، وفي إطار "م.ت.ف"، واللجنة الموسَّعة القيادية لتفعيل وتطوير مؤسسات "م.ت.ف". وهي ليست خطوة في الفراغ فهي نابعة من المعاناة السابقة، ومن التطلعات الوطنية المستقبلية لشعبنا الفلسطيني الصامد بوجه الاحتلال الاسرائيلي.

لاشك أنَّ هذا الانجاز التصالحي الوطني على أهميته لقي مواقف متباينة وكانت بين مؤيد ومعارض، وبين واثق ومشكك، وبالتالي أُحيطت خطوة المصالحة الفلسطينية بمجموعة كبيرة من التساؤلات، وهي في مضمونها اكبر من هواجس لأنها من الوزن الثقيل. وأنا مع أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار، ووضعها في إطار حساباتنا عندما تبدأ عملية التخطيط والتنفيذ، والتقييم، لأنه في هذه المرحلة الصعبة يجب أن نُحكّم حسن النية، والعقلانية، والموضوعية في التعاطي مع هذه الطروحات التي تعبّر عن المخاوف والهواجس، فالتجربة المرة السابقة منذ العام 2007 تجعلنا نفكّر ملياً، وندرس الخطوات بجدية على أرضية صلبة وهي أنّ المصالحة خيار وطني استراتيجي، وأن الانقسام خيار لا يخدم سوى الاحتلال الاسرائيلي ومخططاته الاستيطانية والاستعمارية والتهويدية.

نحن في حركة فتح تعاطينا مع موضوع الانقسام بموضوعية وليس بردات فعل، وعملنا من موقعنا القيادي والوطني وليس الحزبي، وكانت قيادة حركة فتح والرئيس أبو مازن خاصة يتابع هذا الموضوع بعناية خاصة، ويقدم التنازلات من أجل الوحدة الوطنية، ومن أجل وحدة الارض والشعب والقضية، والأهم أنّ التنازلات كانت تتم من أجل فلسطين. كنا ندرك أن معركة المصالحة، هي المعركة الأساسية في صراعنا ضد الاحتلال الاسرائيلي، لأن إزالة الاحتلال من أرضنا تبدأ بالخطوة الأساسية وهي الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهذه الوحدة هي التي تحمي المشروع الوطني الفلسطيني بشموليته.

من أجل ذلك فنحن نتعاطى مع موضوع المصالحة كخطوة استراتيجية وليس كخطوة تكتيكية، وهذا نابع من قناعتنا بأن موضوع الانقسام لا نستطيع معالجته بالحرب الأهلية، ولا باستخدام السلاح والعنف، وانما بالحوار البناء، لأن الحرب الاهلية لا تخدم سوى العدو الاسرائيلي الساعي دائماً إلى إثارة الفتنة والفرقة. وعندما نصرُّ على المصالحة فإننا نؤكد أننا لسنا طرفاً في الانقسام أو راغبين فيه، كما أننا نؤكد استعدادنا للمواجهة وللتضحية، ولتنفيذ كل ما اتفقنا عليه في القاهرة بتوقيع الجميع.

بعض الأطراف تلوم حركة فتح على جرعة التفاؤل العالية والمميزة التي تبدو واضحة من خلال سلوكنا السياسي والإعلامي، ورداً على اللوم فإننا نوضح التالي:

أولاً: إن المصالحة تعني المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، ولذلك فإننا نرفض التعاطي مع هذا الموضوع تكتيكياً، وانما نندفع وندفع باتجاه خيار وطني واحد.

ثانياً: إن المصالحة تعني طيَّ صفحة الانقسام وإلى الأبد، وتجريد العدو الاسرائيلي من هذا السلاح المدمِّر، وهذا الامر يحتاج إلى مواقف صلبة، وليس إلى مواقف مترددة.

ثالثاً: نحن نؤمن بأنَّ المشروع الوطني الفلسطيني يجب أن يضم كافة القوى والأطراف الفلسطينية، وهذا يعني أن الحالة المتوتِّرة والمؤلمة والمدمِّرة للمجتمع الفلسطيني التي سادت منذ العام 2007 يجب أن تنتهي وأن حركة حماس يجب أن تكون في إطار "م.ت.ف".

رابعاً: نحن نؤكد أهمية المصالحة حتى يكون هناك مشروع وطني فلسطيني واحد وهو مقاومة الاحتلال، ودحر قواته، وانتزاع الحرية والسيادة والاستقلال لدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية.

وهذا يعني تدمير كافة المراهنات الاسرائيلية على الصراعات الفلسطينية الداخلية، وعلى تشويه النضال الوطني الفلسطيني.

خامساً: نحن ندرك أن انجاز المصالحة وأهدافها يحتاج إلى معركة قاسية، وشرسة، وطويلة، ولا يمكن أن تكون نزهة مريحة، وهذا عائد طبعاً إلى وجود أطراف معادية تماماً بشكل علني أو غير علني لطموحات الشعب الفلسطيني وفي المقدمة الاحتلال الاسرائيلي الغاضب تماماً على الشعب الفلسطيني، والذي يهدد علناً بأنه لا يريد المصالحة. وما أقصده تحديداً أن العدو الاسرائيلي سيبدأ  عملية التخريب، والتعطيل مستخدماً العديد من الامكانيات في هذه المعركة، كما أنه سيحارب السلطة والمنظمة سياسياً، ودبلوماسياً، واعلامياً، وسيراقب كافة الخطوات التي يتم إقرارها من أجل تحريض الاطراف المعنية، والتشكيك بالمواقف القيادية، وتسويق معلومات مشبوهة ومفبركة لإثارة النزاعات، واعتماد سياسة التضليل.

أما المواقف في الساحة الوطنية الفلسطينية فيجب أن تكون مميَّزة وداعمة، وأن نرى باستمرار النصف الملآن من كوب الماء حتى نكون أقرب إلى المنطق، وحتى لا نصبح نحن من ينشر رذيلة الاحباط واليأس.

سادساً: نحن ندرك أن تشكيل حكومة التكنوقراط ليست هي المصالحة بكاملها، وانما هي خطوة في بداية الطريق الشاق والمحفوف بالمخاطر لأنه غير مسموح للشعب الفلسطيني أن يتوحد، أو أن يستنهض قواه، ويؤكد حضوره. تشكيل الحكومة هو الشكل الذي يسمح لذوي الاختصاص المُجْمَع عليهم أن يجلسوا حول طاولة واحدة، وان يقرّروا ما فيه المصلحة للشعب الفلسطيني، وللقضية الفلسطينية، والسؤال هنا هو هل ستتمكن الأطراف الفلسطينية من الصمود والاصرار على دعم الحكومة في تنفيذ برامجها أمام التهديدات، وعمليات زرع الفتنة الاسرائيلية، والاعلام المُغرض الذي سيستهدف بنيتنا السياسية والاجتماعية، ومشروعنا الوطني. الحكومة بمفردها لا تستطيع حَمْلَ هذه الاعباء برمتها، وانما هي بحاجة إلى الغطاء السياسي من مختلف القوى الفلسطينية، وإلى توليد مُناخات شعبية متعاونة ومتفاعلة. وحتى نكون اكثر وفاء لشعبنا علينا أن ندرك بأننا نحن الذين نستطيع إفشال أو انجاح الحكومة التي ستتشكل ويتم الاعلان عنها يوم الخميس 29/5/2014.

ثامناً: نحن ندرك أنّ معركة طيِّ الانقسام تحتاج إلى الارادة الجماعية القادرة على بناء ما تهدِّم، وترميم ما تصدع في البنيان الفلسطيني خلال الفترة السابقة، وهي لا شك معركة كسر عظم كما يقولون مع الاحتلال، ومعركة صناعة المستقبل الفلسطيني تحت الاحتلال، المعركة بدأت منذ الاعلان في قطاع غزة ولا يجوز أن تتوقف، أو أن تتعطل لأن ذلك يعني بداية إنهيار ما تم على صعيد المشروع الوطني الفلسطيني.

تاسعاً: إنَّ الاعلان عن الحكومة برئاسة الدكتور رامي الحمدلله سيترافق مع تحديد موعد إجراء الانتخابات الشاملة بعد ستة أشهر من تاريخ التحديد. ومهمة الحكومة لا تكتمل إلاَّ بإجراء الانتخابات واختيار القيادات الجديدة، والمجلس التشريعي الجديد، ومجلس وطني جديد، وهذا هو الأهم. وعلى عاتق هذه الحكومة مهمتان أساسيتان مهمة بناء ما تهدَّم في قطاع غزة، ومهمة التمهيد لإجراء الانتخابات، وبين هاتين المهمتين تبرز مهمة ثالثة وهي تحصيل حاصل، على الحكومة أن تضع الآليات المطلوبة لمعالجة الكثير من القضايا المتعلقة بالوزارات وتوحيد عمل هذه الوزارات، وتوحيد المؤسسات، ووضع ضوابط موحَّدة للعمل في الضفة وغزة بحيث تضمن هذه الحكومة أن تكون هي الحكومة الشرعية الوحيدة، وليست الحكومة الثالثة. كما أن على الحكومة أن تُسرِّع في معالجة ملف الحريات العامة، والمصالحة المجتمعية، وقضايا التوظيف والرواتب بناء على أصول متعارف عليها، وضمن الحاجة.

عاشراً: بالتأكيد هناك قضايا معقدة وقد لا تتمكن هذه الحكومة من حسمها، وستترك للحكومة التشريعية التي تتسلم مهامها بعد الانتخابات لأنها تمثِّل القوى السياسية، وهي حكومة وحدة وطنية، وتكون أقدر على التعاطي مع الملفات الأمنية، وخاصة إعادة تشكيل الأجهزة الأمنية، وخاصة إعادة تشكيل الأجهزة الامنية والمعايير التي سيتم اعتمادها والدول الصديقة التي ستساعد السلطة في تنظيم هذه العملية.

كما أن تطبيق النظام السائد في الضفة الغربية حيث لا وجود لاي سلاح سوى سلاح السلطة يجب أن يتم تطبيقه في قطاع غزة، وهذا يحتاج إلى توافق وتفهُّم لأنه من الصعب أن تكون هناك سلطة مطلوب منها أن تنفذ النظام، وعلى الأرض قوات عسكرية تابعة للفصائل الفلسطينية، فما هي الصيغة التي سيتم التوصل إليها، وكيف ستعاطى الحكومة الحالية مع هذا الواقع. إضافة إلى هذا الملف المعقد كيف سيتم التعامل مع المقاومة الشعبية وتصعيدها، ومواجهة الاستيطان والتهويد. وكيف سيتم العمل على مواجهة مشكلة البطالة عند الخريجين، وانخفاض مستوى المعيشة، وارتفاع سُلّم الغلاء، والتحكم الاسرائيلي بالاقتصاد الفلسطيني. بالتأكيد فإن ما وعد به الرئيس أبو مازن من إمكانية فتح معبر رفح المصري، ومعبر رفح الفلسطيني بعد ان أخذ الموافقة المصرية على المساعدة، وعلى انجاح المصالحة، وبذلك ستكون الأزمة الخانقة التي يعاني منها قطاع غزة تحديداً قد بدأت تتفكك. وهذا ما سنراه قريباً بعد أن رحّب العالم بالمصالحة الفلسطينية والاستعداد لتقديم المساعدة للفلسطينيين باستثناء العدو الاسرائيلي.

فهل ستتوحد الإرادة الفلسطينية من أجل تطبيق المصالحة، وطي صفحة الانقسام إلى الأبد؟؟.