تاريخياً، ومنذ احتلت دولة الابرتهايد الاسرائيلية مكانة الحليفة الاستراتيجية الاولى للولايات المتحدة، وقادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتنافسان على التودد لاسرائيل، وتقديم قرابين الولاء عبر تقديم المزيد من الدعم السياسي والاقتصادي - المالي والعسكري لها.
يصاب قادة الحزبين بجنون البقر الاسرائيلي كلما اقتربت الانتخابات، ويسقط مرشحا الحزبين في حالة صرع بحثا عن كسب إسرائيل والايباك والصوت والمال والاعلام اليهودي الصهيوني. تغيب معايير الاخلاق والقيم والسياسة بين المرشحين للرئاسة الاميركية عند ذكر إسرائيل، فلا يعود اي منهما قادرا على تمالك نفسه، ويخر صريعا على ركبتيه يستجدي بركات حاخامات وأباطرة مال الحركة الصهيونية، وامبراطورياتهم الاعلامية، وتسقط من حساباتهم كليا مصالح الشعوب العربية عموما والشعب الفلسطيني خصوصا.
في الجولة الحالية من الانتخابات المتنافس فيها كل من ميت رومني عن الحزب الجمهوري، وباراك اوباما عن الحزب الديمقراطي. أسوة بمن سبقهما من قادة حزبيهما السابقين، خاضا، وما زالا يخوضان تنافسا مبتذلا ووقحا لكسب الاصوات اليهودية واموال اغنياء الحركة الصهيونية. فالاول زار إسرائيل وقدم لنتنياهو فروض الولاء والطاعة، ووعد الاعتراف بالقدس (الغربية والشرقية) عاصمة للدولة العبرية. ووعد بتقديم المزيد من الدعم بكل اشكاله لدولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية وعلى حساب مصالح الفلسطينيين والعرب والسلام. والثاني لم يكن اقل ابتذالا وتهافتا من منافسه، فقبل ان تطأ قدما رومني إسرائيل قام بالتوقيع على قانون التعاون العسكري، وقدم مساعدة فورية إضافية بمبلغ (70) سبعين مليون دولار للقبة الحديدية، وعمق التعاون على المستويات المختلفة مع الدولة الاسرائيلية المارقة .
كل ما تقدم من نفاق سياسي، وتهافت اخلاقي لدى مرشحي الرئاسة اوباما ورومني، على مرارته وبشاعته ودونيته، استفز الرأي العام العربي عموما والفلسطيني خصوصا. غير أن ما زاد الطين بلة، هو السقوط المريع للرئيس الاميركي الحالي اوباما وحزبه الديمقراطي، الذي ينافس للفوز بالدورة الثانية، الذي تجلى في اليوم الثالث لمؤتمر الحزب الـ 46 عندما اقترف الرئيس الاميركي جريمة بحق شخصه كرئيس للولايات المتحدة الاميركية، اعظم قوة في التاريخ الحاضر اولا؛ والحزب الديمقراطي ثانيا؛ وبحق الشعب العربي الفلسطيني والعرب ثالثا عندما زور أصوات مندوبي المؤتمر حينما اعاد رئيس المؤتمر التصويت للمرة الثالثة على فقرة تتعلق بالقدس ك»عاصمة» لدولة إسرائيل، ففي المرة الاولى لم ينجح التصويت، وفي المرة الثانية فشل التصويت على نيل الثلثين، وفي المرة الثالثة ايضا فشل التصويت بشكل عميق الدلالة على عدم تساوق مندوبي المؤتمر على العودة لاضافة الفقرة المذكورة، بعد ان كان اوباما نفسه شطبها من بيانه الانتخابي، غير ان الرئيس الاميركي أمر بتمرير الفقرة في البيان، وزور الحقيقة لكسب ود دولة الابرتهايد الاسرائيلية واصوات اليهود والايباك في الانتخابات القادمة المقررة في 6 نوفمبر / تشرين الثاني القادم.
القدس عاصمة الدولة الفلسطينية وعموم مصالح الشعب الفلسطيني الوطنية ومصالح العرب القومية والتسوية السياسية لم تعن شيئا للادارة الاميركية الديمقراطية. ولن تعنيها بشيء، ولن تنظر اليها حتى من طرف عينها، لان العرب والفلسطينيين لا يمثلون وزنا في الانتخابات الاميركية، مع ان عدد الناخبين العرب والمسلمين أكثر من اصوات اليهود الصهاينة. لكن مأساتهم انهم غير موحدين، ولم يتمكنوا من تشكيل لوبي قوي في الساحة الاميركية. كما ان اهل النظام السياسي العربي، يعملون في دائرة المحوطة الاميركية. ولم يخرجوا من حالة التبعية والاستلاب السياسي والاقتصادي والامني، ولم يبادروا يوما لاعادة الاعتبار لذاتهم ومكانتهم لدى صانع القرار الاميركي او الاوروبي او الاسرائيلي، مع ان مصالح اميركا الحيوية في الوطن العربي الكبير. لذا لا تشعر اي ادارة اميركية بأي حرج في مسخ مصالح العرب والفلسطينيين.
لا يكفي في الحالة القائمة في السياسة الاميركية، ان نصرخ بأعلى الصوت، ونقول، ان القدس عاصمة دولة فلسطين، وان ما تعلنه اميركا ورئيسها لا يشكلان شيئا على الارض. لان العالم والولايات المتحدة تحديدا لا تعترف بالعدالة، وليست معنية بالحقوق الوطنية الفلسطينية، لان جل اهتمامها بمصالحها واصوات الناخبين اليهود واموالهم ومنابرهم الاعلامية، الذين يؤثرون في صناديق الاقتراع، فضلا عن العلاقات الاستراتيجية بين البلدين اميركا واسرائيل، التي تحتل الاولوية في حسابات صانع القرار الاميركي.
لذا على القيادة السياسية الفلسطينية اتخاذ ما يلزم لاعادة الاعتبار للمصالح الوطنية، ولفت نظر صانع القرار الاميركي في كلا الحزبين لتلك المصالح. وهذا يحتاج الى بحث المسألة مع الاشقاء العرب على المستويين الرسمي والشعبي لاتخاذ ما يلزم من اجراءات وخطوات لثني قادة الولايات المتحدة عن السياسات العبثية. لا سيما وان القادة الاميركيين لا يسمعون من تهون عليهم مصالحهم وحقوقهم الوطنية والقومية.
بالتأكيد، القدس والمصالح الوطنية العليا للشعب العربي الفلسطيني ليست محل تنافس قادة الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ولكن قيل «من فرعنك يا فرعون؟ قال لم اجد احداً يردني!» وإلى أن يجد اوباما ورومني وغيرهما من يردهما ويعيدهما لرشدهما السياسي والاقتصادي والمالي والاعلامي، عندئذ ستتغير معالم الخطاب السياسي الاميركي. وستكون الحقوق الوطنية والقومية محل احترام وتقدير لدى المرشح والناخب الاميركي .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها