اليوم الأربعاء يتحدث الرئيس أبو مازن أمام اجتماع طارئ لمجلس وزراء الخارجية العرب الذي يلتئم في القاهرة، والحديث سيكشف عن الحقائق الصعبة بل المستحيلة لمشوار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، التي مهدت لها زيارة الرئيس باراك أوباما إلى المنطقة في نهاية آذار من العام الماضي، وقد بدأت تلك المفاوضات في الثلاثين من تموز الماضي بمدة محددة بتسعة شهور تنتهي في نهاية نسيان الحالي، وباتفاق منفصل يثير شهية المتفاوضين وهو الاتفاق الذي يقضي بالإفراج عن مئة وأربعة من الأسرى الفلسطينيين ما قبل أوسلو مقابل تجميد فلسطيني للذهاب إلى عضوية أكثر من ثلاثة وستين منظمة ومعاهدة دولية طيلة فترة المفاوضات! وكان الوسيط في هذه المفاوضات هو وزير الخارجية اللامع جون كيري الذي ربما يكون الأبرز في سباق الانتخابات الرئاسية القادمة عن الحزب الديمقراطي بعد ان ينهي باراك أوباما ولايته الثانية المليئة بالصعوبات والتعقيدات ومحطات التخاذل والفشل، كما تم اختيار الدبلوماسي الأميركي مارتن انديك مبعوثاً أميركياً لعملية السلام، وهو خبير جداً في تعقيدات الوضع الإسرائيلي الداخلي، حيث خدم سفيراً لأميركا في إسرائيل مرتين سقط خلال خدمته الأولى بنيامين نتنياهو في الانتخابات وغادر مقعد رئيس الوزارء ولكنه عاد مرة أخرى ضمن هذا الائتلاف الذي نراه الآن.

حقائق ما جرى في المفاوضات الأخيرة هي حقائق رهيبة، حيث غير لإسرائيليون قواعد اللعبة وقلبوها رأساً على عقب من خلال الإعلان الصريح والعملي أنهم لن يلتزموا في هذه المفاوضات بشيء على الإطلاق، لا وقف للاستيطان ولو شكلياً، ولا وقف لإجراءات التهويد وخاصة ضد المقدسات، ولا اعتراف من أي نوع بقرار الجمعية العامة في نهاية سنة 2012، ولا سماح للفلسطينيين بالحراك بأي اتجاه إلا بموافقتهم، ولا أفق للمفاوضات إلا من بوابة الأمن الإسرائيلي بكل هواجسه المصطنعة، بل أكثر من ذلك، فإن المفاوضات موضوعياً لم تتقدم بيننا وبينهم ولو مليمتراً واحداً، لم نتفق على جدول أعمال لهذه المفاوضات، وكانت المفاوضات موضوعياً بينهم وبين الإدارة الأميركية، وكان التفاوض والتوازن بين أعضاء الائتلاف الإسرائيلي الحاكم هو المدخل لتفاوضهم مع الإدارة الأميركية، وكان العنوان الذي رفعه نتنياهو في وجه الإدارة الأميركية أن سلامة الائتلاف وبقائه أهم مليون مرة من نتائج المفاوضات، بل لقد انحدر الوضع أكثر وأكثر إلى حد أن الأطماع والطموحات في تبديل المواقع داخل هذا الائتلاف الإسرائيلي أصبحت أهم من أي موضوع أخر للمفاوضات، فعندما مارس نتنياهو لعبة الاختباء وراء تطرف هذا الائتلاف أصبح كل واحد من اللاعبين عينه على مقعد رئيس الوزراء، لماذا لا مادامت اللعبة مواتية، وفي لعبة الذئاب هذه، الوسيط الأميركي يجامل الجميع، واللعبة هي تصعيد التطرف والجريمة وتدفيع الثمن للجانب الفلسطيني، استيطاناً بصوت صاخب، وتهويدا بإجراءات هستيرية، وقتلا مجاني، واجتياحات وتحطيم لقواعد الاقتصاد، ومزيد من الوجه القبيح لدولة الأبارتهيد الاحتلالية.

في هذا الفعل الاستفزازي، فإن إسرائيل تستند إلى قراءة خاصة بها للوضع العربي، بأن الوضع العربي ضعيف، غائب على نحو ما، له أولويات طارئة في الأحداث الجارية منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويعاني شبكة معقدة من الخلافات العربية في داخل معظم الدول، وبين معظم هذه الدول، أي أن إسرائيل في ظل هذا الائتلاف الحالي بقيادة نتنياهو تبني حضورها على أشلاء الوضع العربي، وهي معفاة في المدى المنظور من ضغط الوقت، ومن دفع الثمن.

في لقاء اليوم، في الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية العرب، لابد أن يتحدد ما هو الدور العربي المطلوب ولو بالحد الأدنى؟ وما هي الالتزمات التي يجب يتعهد بها النظام الاقليمي العربي؟ وإن كان للعرب بقايا قوة فأين يستخدمونها؟ أعتقد أن الخلل القائم في توازن النظام العالمي يسمح للنظام العربي أن يكون له دوراً أفضل، الوقت طارئ جداً، وإسرائيل تتوهم أنها قادرة على تغيير الخرائط والإفلات من كل الالتزامات، فكيف نعيد ترتيب الأولويات؟ ماذا نفعل الآن، وماذا نفعل غداً؟ لو نجح اجتماع وزراء الخارجية في الانتقال إلى قمة عربية حول موضوع واحد طارئ، ربما نستعيد المبادرة، ربما نستطيع أن نفتح حواراً بطريقة جديدة نشرك فيه اطراف دولية مؤثرة اخرى لانه اذا بقيت الإدارة الأميركية هي الشاهد الوحيد، فقد تعلمنا عبر التجربة أن هذا الشاهد الوحيد كثيراً ما يخون شهادته، وأنه إذا بقيت إسرائيل معفاة من دفع الثمن فلماذا ستتبرع لنا بأي شيء؟