الحضور الكريم، كلٌّ باسمه وصفته

أحييكم باسم الارض المباركة، وباسم الشعب المكافح، وباسم المقدسات والتضحيات والشهداء والاسرى الابطال.

جميعنا يعترف بأن الاعلام بكل متفرعاته له تأثير واسعٌ في توجيه وتحريك المجتمعات الانسانية. كما لا ننكر أن للاعلام سطوةً لا تدانيها أحياناً سطوة المعارك العسكرية. وحتى من يخطط لمعركة عسكرية فإنه يضع في المقدمة المخطط الاعلامي المطلوب من أدوات ووسائل وأساليب وهي التي تخدم الهدف السياسي المطلوب إنجازه بعد التضحيات البشرية والمادية. وإذا لم يكن المخطط الاعلامي مدروساً ومبرمجاً ويمتلك الديناميكية، والقدرة على التأثير، وسرعة الانتشار، ومواجهة الاعلام الآخر بإعلام أشدُّ تأثيراً، هنا تُحسم القضايا العسكرية والسياسية إستناداً إلى حسن الأداء الإعلامي.

ولا شك أن هناك تداخلاً مؤثراً سواء بالاتجاه السلبي أو الايجابي بين الاعلام وحرب الاشاعات. هذه الحرب النشطة والسريعة التأثير على البنية الاجتماعية واتجاهاتها السياسية، وهي تستند عادة إلى معلومات أمنية يمكن البناء عليها بنوع من الحنكة والذكاء كي تخدم أهدافاً تخريبية تثير الفتنة، وتشعل نار الخلافات المذهبية أو الطائفية، أو العشائرية، وتجعل من البنية الاجتماعية جبهةً رخوة لا تمتلك الحصانة، ولا المناعة، وتكون بذلك سهلة التصدُّع.

من هذا المدخل نعالج واقعنا الفلسطيني والتداخل سياسياً وإعلامياً مع الواقع اللبناني، وكيف نصل إلى الصيغة المطلوبة التي توفِّق بين حرية الصحافة والاعلام. وهذا حقٌّ لا أحد ينكره إطلاقاً وبين حماية القضية الفلسطينية، والمخيم الفلسطيني كعنوان أساسي للتمسك بحق العودة ومقاومة التوطين، وهذه مهمة مشتركة وطنية وقومية فلسطينية ولبنانية. فالتوطين خطرٌ كبير على القضية الفلسطينية لأنه يشكل حالة إجهاض لهدف وطني مقدس وهو عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي التي طردوا منها قسراً إستناداً إلى القرار الأممي 194.

إنَّ ما يشغل بالنا نحن الفلسطينيين هو حجم المشاريع السياسية الأمنية التي تعيشها المنطقة، والتي تنعكس مباشرة على الساحة اللبنانية بقوة الدفع الاقليمي والدولي، وبقوةِ الإمكانيات والقدرات المادية والتكنولوجية من أجل تصديع الجبهات الداخلية اللبنانية والفلسطينية، وإحداثِ إهتزازاتٍ وتصدُّعاتٍ لإضعاف إرادة الصمود، وحمل الأطراف المعنية على الرضوخ والاستسلام للمشاريع المستوردة والتي هي أصلاً ليست من ثقافة مجتمعنا، ويكون شعبنا ضحية لها، ولأن أصحاب مشاريع الفتنة يمتلكون الإمكانيات المالية والاعلامية والأمنية بات لزاماً علينا نحن المُستهدفين من هذه المشاريع التخريبية والفتنوية أن نواجه التحديات بعقلية مشتركة، وآلياتٍ متفق عليها، وأهدافٍ واحدة نسعى دائماً للدفاع عنها، وحمايتها من نار الفتنة المتنقلة من مكان إلى آخر. هذه الفتنة التي تجدُ من يغذيها للأسف، ومن يتجرأ على وضع البنزين على النار مستفيداً من بعض المواقف أو التصريحات المرتجلة، وغير المسؤولة، وأحياناً المدسوسة.

للخروج من هذه الأزمة، وللحفاظ على تماسك بنيان القضية الفلسطينية، وهي القضية المركزية للأمتين العربية والاسلامية، وأعتقد أن الشعب اللبناني له حصة الأسد في هذا الموضوع، والمطلوب منه الكثير إستناداً إلى تاريخ العلاقات بين الشعبين وما قدمه الشعب اللبناني من تضحيات من أجل القضية الفلسطينية، وهنا نحن نقترح مجموعة مبادئ تتعلق بإيجاد ضوابط إعلامية تخدم الجانبين:

أولاً: المجتمع الفلسطيني مثله مثل باقي المجتمعات، لكنه يعاني من أزمات معيشية كالبطالة، وتدني المستوى المعيشي، والحرمان من حقوقه المشروعة على المستوى الانساني والاجتماعي، وخاصة حق التملك وحق العمل، وهذا ما يسبب حالة احتقان داخلية. والانسان الفلسطيني يعتمد على أبنائه العاملين في الخارج والذين يرسلون أموالهم إلى لبنان، وهذا ما يدعم الاقتصاد اللبناني. إنَّ معالجة الحقوق الانسانية والاجتماعية للشعب الفلسطيني في لبنان يخفف حالة الاحتقان السائدة.

ثانياً: نحن لا ننكر أن هناك من يخطئ، أو يرتكب مخالفة، أو يذهب باتجاه يتعارض مع توجهات المجتمع الفلسطيني بشكل عام، وهنا نأمل من الوسائل الاعلامية أن لا تجعل من الحبة قبة كما يقولون، وأن تأخذ بعين الاعتبار الظروف التي حصل فيها الحدث.

ثالثاً: نأمل من المراسل أو الاعلامي بشكل عام أن يتوخَّى الدقة منذ البداية، وأن يبحث عن الحقيقة، وأن لا يذهب باتجاه السبَق الصحفي على حساب الانسان الفلسطيني، لأنَّ عملية التراجع عن تغطية خبر معيَّن بطريقة مغلوطة يضرُّ مجتمعنا الفلسطيني، لأن الخبر الاعلامي يكون قد أخذ مداه المطلوب، ولا تعود تنفع معه عملية التراجع، هذا إذا حصل التراجع.

رابعاً: نأمل من الأخوة الاعلاميين أن لا تستند تقاريرهم وتحقيقاتهم على تقديرات مغلوطة خاصة تلك التي تؤخذ من الشارع. وبرأيي أن هناك قيادات سياسية، وهناك لجان شعبية، وهناك لجان أمنية من الضروري اعتمادها كمصادر حتى لا نقع في المحظور.

خامساً: نأمل التعامل بثقة متبادلة مع الجهات الاعلامية الفلسطينية وأن يكون هناك تعاون يخدم الحقيقة ولا يسخِّرها لأهداف أخرى بشكل مقصود او غير مقصود.

سادساً: نحن لا نرى العدالة في تحميل الفلسطيني ما لا يحتمل فيما لو أخطأ، ولا يجوز اعتبار المخيم بأسره مذنباً إذا أذنب أحد أفراده. ونأمل التعاطي مع كل حالة بحجمها، وعدم توسيع دائرة المحاسبة الاعلامية لتطال المحيطَ الذي يعيش فيه.

سابعاً: هناك قضايا أمنية لها خصوصياتُها وتُعالَج مع الجهات الأمنية اللبنانية بالتفاصيل لأنها تحتاج إلى متابعة من الطرفين لأنَّ أي خطر أمني يكون على الجانبين، وبعض الوسائل الاعلامية تحاول أن تبني على هذا الموضوع بوضع معلومات تؤزِّم الحالة القائمة، وتصوِّر أن المخيم أصبح يشكل خطراً على الجوار اللبناني، وهذا ما يقود إلى حالة عداء بين المخيم وجواره.

ثامناً: نحن في الساحة الفلسطينية لدينا أُطر مشتركة وهي ناشطة في المخيمات، رغم أنَّ هناك تباينات سياسية واضحة لكننا متفقون على أنَّ فلسطين هي الأولوية ونحن نأمل من الاعلام اللبناني وحتى الفلسطيني إعطاء الأولوية لكيفية توحيد الجهود، وتعزيز العمل الوطني المشترك، وإبقاء قنوات الحوار مفتوحة، وإمكانية التفاهم  قائمة، وإذا أرادت بعض القنوات أن تُحرِّض على طرف فلسطيني معيّن لأهداف معينة أن تُبقي للصلح مطرحاً، وأن لا ينسى هؤلاء أن هناك وثائق وتفاهمات عديدة موقَّعة من كافة الاطراف الفلسطينية في القاهرة، أعني أن هناك قاعدة للتفاهم، والمطلوب التنفيذ العملي للخروج من المأزق.

هذا غيض من فيض، نأمل تفهُّم هموم الشعب الفلسطيني، وطموحاته، واحتياجاته، والمتاعب اليومية. ونحن على ثقة أن الاعلام اللبناني يستطيع أن يؤدي دوراً مهماً في هذا الجانب.

مع التحية والتقدير للجهة المنظمة لهذه الورشة وللأخوة المحاضرين وللسادة الحضور، ولكافة الاخوة الاعلاميين.

والسلام عليكم

 

رئيس تحرير مجلة القدس

الحاج رفعت شناعة

31/3/2014