يبدو – حتى هذه اللحظة - أن بنيامين نتنياهو قد رجح مصلحة حزبه وائتلافه على مصلحة السلام للاسرائيليين، فخشيته من انفراط عقد الائتلاف وتنفيذ وزير الدفاع تهديده بالاستقالة حال افرج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، دفعته للاعتقاد ان الراعي الأميركي قد يجد لدى الجانب الفلسطيني عذرا له بقبول تمديد المفاوضات مقابل اطلاق الدفعة الرابعة التي يرى ان ثمن مبرراتها لدى الرأي العام الاسرائيلي اغلى بكثير من سابقاتها الدفعات الثلاث، حيث سيشمل الربع الأخير من الصفقة حرية 14 مواطنا فلسطينيا يحملون الجنسية الاسرائيلية معظمهم محكومون بالمؤبد.

حاولت حكومة الاحتلال تفجير الأوضاع بعمليات اغتيال وقتل لشباب فلسطينيين في مختلف المناطق، واستطاعت خلق اجواء متوترة، لكنها لم تفلح بتفجير صفقة حرية الأسرى القدامى مقابل تأجيل ذهاب دولة فلسطين الى منظمات الأمم المتحدة، لذا لم تجد للهروب من مشكلة اسرائيلية داخلية إلا الاعلان صراحة انها لن تنفذ الاتفاق المبرم برعاية اميركية، القاضي بإطلاق 26 اسيرا في التاسع والعشرين من آذار أي بالأمس، لكن نتنياهو ابقى الباب مواربا مع الادارة الاميركية ربما ليطلب منها الثمن من ناحية، ولتكثف ضغوطها على الرئيس ابو مازن على امل الحصول على تنازلات كالقبول بتمديد اجل المفاوضات مقابل حرية الاسرى، او تجميد جزئي للاستيطان مقابل التمديد مع الابقاء على الأسرى في المعتقلات خاصة وان بعضا من الرأي العام الاسرائيلي يرى في موضوع تجميد الاستيطان اهون من تعرض اسرائيل لضربة فلسطينية في صميم (دولة اسرائيل) حيث يرى هؤلاء أن نجاح الرئيس ابو مازن بتحرير اسرى فلسطينيين هم حسب القانون الاسرائيلي مواطنون اسرائيليون، ونجاحه بفرض شرط عودتهم الى ديارهم وعائلاتهم بمثابة اختراق عظيم لقوانين دولة اسرائيل يمكن تسميته بنصر (آذار الخالد) لتكتمل اضلاع مثلث آذار الفلسطيني الخالدة بهذا النصر بعد معركة الكرامة في العام 1968 التي مثلت انطلاقة للإرادة العربية بالمقاومة بعد هزيمة الجيوش الرسمية العربية في الخامس من حزيران عام 1967، والثلاثين من آذار من العام 1976 المسمى بيوم الأرض الذي أصبح رسالة ثقافية فلسطينية الى شعوب الأمة العربية والأحرار في العالم، وبات رمزا لعلاقة الانسان الأزلية بأرضه، يوم دافع الفلسطينيون بصدورهم عن ارضهم التي هي عنوان وجودهم.

قد لا نستطيع استيعاب امكانية تحدي حكومة نتنياهو للإدارة الأميركية في لحظات هي احوج لنصر سياسي من نوع ما في المنطقة، خاصة في ظل تلمس الراعي الأميركي واعترافه بحرص الجانب الفلسطيني على انجاح عملية السلام، لذا لا نرى محاولات نتنياهو وإشاراته الكلامية ذات الوجهين إلا مناورة لكسب ما يُمَكِنهُ من اقناع حلفائه المعارضين اصلا، او لعله يستطلع مدى صلابة موقف القيادة الفلسطينية، وتحديدا الرئيس ابو مازن، على أمل اتيان الضغوط الأميركية أو الاسرائيلية عبر أدوات محلية وإقليمية بثمارها، وكأنهم يختبرون صبره وصموده لأول مرة.. لكن الخطوة الفلسطينية الأولى نحو منظمات الأمم المتحدة، ستقابلها خطوة اسرائيلية نحو معتقل عوفر لفتح الزنازين حتما.