الابتزاز الاسرائيلي بخصوص الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو كان متوقعاً، خاصة وأن حكومة نتنياهو التي ذهبت إلى المفاوضات الحالية المتعثرة مكرهة، لا تريد مفاوضات فعلياً، وإنما تريد غطاء المفاوضات، وتريد ألا تتحمل المسؤولية عن فشل الجهود الأميركية بل تريد إلصاق هذا الفشل بنا، ولذلك منذ جرى الآتفاق بيننا وبين إسرائيل برعاية أميركية على إطلاق سراح مئة وأربعة اسرى من الذين كان يجب الإفراج عنهم مع التوقيع على اتفاق أوسلو مقابل تجميد الذهاب الفلسطيني إلى عضوية منظمات الأمم المتحدة طيلة فترة المفاوضات، أقول منذ تلك اللحظة بدأت حكومة نتنياهو تضخم في إمكانية استمرار تنفيذ هذه الصفقة بدعوى أن عدداً من هؤلاء الأسرى يحمل هوية القدس ويحمل أربعة عشر منهم الهوية الإسرائيلية، وأن تنفيذ هذه الصفقة يمكن أن يؤدي إلى انفراط هذا الائتلاف الذي تتشكل منه حكومة نتنياهو، مع ملاحظة أن أكذوبة انفراط الائتلاف كررت قبل ذلك مئات المرات، وكان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي اختزل في بقاء هذا الائتلاف في الحكم! فإذا كان تنفيذ الافراج عن أربعة عشر أسيراً فلسطينياً من داخل الخط الأخطر فقط الائتلاف الذي يختبئ وراءه نتنياهو، فكيف يكون الحال عندما يحين موعد قيام إسرائيل بتنفيذ التزاماتها المتعلقة بالانسحاب من القدس الشرقية، ومن عموم الضفة الغربية، وإخلاء المستوطنات، وإعطائنا أرضنا على كامل حدود عام 1967، وحصولنا على حقنا من المياه.... ..الخ؟

المثير أكثر هذه المرة: أن الإدارة الأميركية ممثلة برئيسها باراك أوباما، ووزير خارجيتها جون كيري ومبعوثها لعملية السلام مارتن انديك عجزوا بالمطلق عن الضغط على نتنياهو وإقناعه ببعض السلوك الإيجابي لتمديد المفاوضات، حيث الإدارة الأميركية بحاجة إلى أي عنوان للنجاح بعد اخفاقات كثيرة، خاصة وهي ذاهبة إلى انتخابات نصفية للكونغرس بعد شهور قليلة، ولابد أن يكون في جعبتها أي شيء، وهذا الشيء هو تمديد المفاوضات، ولكن علينا نحن من المنظور الإسرائيلي الأميركي أن ندفع الثمن! ولذلك فإن لإسرائيل تحاول أن تربط تمديد المفاوضات تنفيذ الدفعة الرابعة من الأسرى.

أعتقد أن هؤلاء الأسرى الأبطال لا يمكن أن يقبلوا أن تكون حريتهم منفذاً للابتزاز الإسرائيلي إلى هذا الحد، كما أننا ونحن شعب تحت الاحتلال نقدم كل يوم شهداء جددا، وأسرى جددا، وخلال الأشهر الثمانية الأخيرة التي أفرج خلالها عن ثلاث دفعات من أسرى ما قبل أوسلو فإن إسرائيل اعتقلت العشرات إن لم نقل المئات! فنحن شعب في حالة اشتباك دائم مع الاحتلال، وهناك ثمن ندفعه في هذا الاشتباك ولا يمكن أن نخضع لهذا الابتزاز الإسرائيلي المكشوف.

حتى يوم الثلاثاء، قد ينقشع الضباب، وتتضح الصورة النهائية هل تخرج الدفعة الرابعة أم يختبئ نتنياهو وراء حلفائه في الحكومة الذين اختارهم من قادة المستوطنين ومن قادة متطرفين؟

أعتقد أن القيادة الفلسطينية بذلت جهداً خارقاً للتواصل مع كافة القوى الدولية ومنابر المجتمع الدولي لتضعهم في الصورة أولاً بأول، والذين يريدون لومنا سيفعلون ذلك حتى ولو قدمنا لهم كل التنازلات، فهؤلاء خضوعهم للمنطق الإسرائيلي لا حدود له، ولكن أمامنا فرصة للصمود ولعلنا نتمكن من تفكيك شيفرة الابتزاز الإسرائيلي إلى الأبد.