خاص/مجلة القدس، محللو المشهدالإسرائيلي ومعهم مراكز استطلاع الرأي جزموا أن لا بديل ولا منافس جدي لرئيس الوزراءالإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما لا وجود لأيِّ تحالف حزبي أو برلماني يستطيع تهديدتحالف اليمين المتشدد الذي يقود إسرائيل حالياً.
حزب اليسار الإسرائيلي-العمل- لم يتجاوز في العقد الأخير دور المروِّج السياسي لخطط اليمين الإسرائيلي، متخلياًعن حضوره الوازن على المستويين السياسي والداخلي، بحيث قارب التلاشي والاندثار النهائي.
أزمة العمل عميقةوعصية على الحل: نزفَ قادته التاريخيين من جهة، ومن جهة ثانية تنازل عن دوره القائدوالمميز في مخاطبة العالم والرأي العام الإسرائيلي على السواء. كما تنازل عن اعتدالهكحزب براغماتي- علماني ينطلق من فكرة مصلحة الدولة غير المسخرة للبعد الأيديولوجي، والتي – حتى عام 1996- كانتتقترب من القبول بتسوية تاريخية مع الفلسطينيين.
قادة حزب العملما بعد رابين لم تتعدَّ أدوارهم التجريب والمغامرة والمقايضة على مناصب في حكومات لايرأسونها.
حزب كديما حديثالعهد، والمنشق عن الليكود، ليس أفضل حالاً بكثير، والذي يعرَّف بالحزب الوسطي، يعانيومنذ دخول مؤسسة شارون غيبوبته الطويلة انعدام الوزن والتأثير بسبب غياب المؤسس منجهة، ومن الجهة الأخرى يعاني من غياب مشروع سياسي حقيقي ومتميز يستطيع من خلاله جذبالجماهير المؤيدة والناخبة له. كديما ليس العمل بنسخته الأصلية- أي الحامل مشروع تسويةعلى قاعدة الدولتين، وليس الليكود- حامي إسرائيل والذاهب بقوة باتجاه تقويض الأسس المفترضأن يقوم عليه حل الدولتين.
إذاُ، وبرغم بعضمفتعلي التهويل وتسويد صورة الواقع السياسي الداخلي في إسرائيل، فإن المشهد يدل علىاستقرار لموازين القوى واستمرار لحزب الليكود بزعامة نتنياهو وتحالفه اليميني بقيادةإسرائيل.
الادارة الأميركيةغير منزعجة من المشهد الإسرائيلي، وغير قلقة على صورة إسرائيل في المنطقة والعالم.فالمهم بنظر الساسة الأميركيين أمن إسرائيل- المقدس، بحسب قول الرئيس أوباما، وهي غيرمهددة، والمهم أيضاً ثبات دورها في معادلة المنطقة وازدهاره أيضاً.
إدارة أوباما التيدخلت ماراتون الانتخابات الرئاسية تعمدت وضع ملف التسوية غير المربح داخلياً على الرف،بعد أن أخلت دورها للواقع الذي تفرضه المشاريع الاستيطانية وبالتالي ذهبت إلى ملفاتالمنطقة المتحركة والمثيرة لدى الرأي العام الأميركي.
فمن جهة لم يخرجشد الحبال الأميركي- الإيراني عن معادلته التاريخية المفيدة جداً للأميركيين نتيجةالانزلاق الإيراني إلى التهديد المباشر وغير المباشر لدول مجلس التعاون الخليجي، وإلىالتعامل مع القضية الفلسطينية من خلال استعمال بعض قواها أدوات في تحالفات ومعسكراتإقليمية مضرة للقضية ومصدر خطر على مستقبلها، وبعد إسهاما الواضح بدعم انقلاب حماسفي غزة.
للأسف، لم تتعلمالقيادة الإيرانية، بنسخة الرئيس أحمدي نجاد، أن دورها التاريخي الذي كان قبل الثورةيستحيل استعادته، كما أن منافسة إسرائيل على المنطقة من بوابة تسوية بشروط إيرانيةمع الأميركيين مستحيلة، ليس بسبب ضراوة المقاومة الإسرائيلية لهذا الدور فقط، بل لأنالأميركيين يحبذون الخطاب الايراني الحالي الذي يجذب وصاية أميركية أبعد وأعمق علىمنطقة هشة وقلقة، ويستدر صفقات وأرباح اقتصادية هائلة، ويكرس حالة غربة إيرانية عنالتواصل ثم الاندماج مع محيطها الإقليمي كواحدة من مكوناته الايجابية وقواه المركزية.
ثم أن الأميركيينالتزموا ومنذ هروب الشاه عام 1979 وحتى الآن عدم الوثوق بأي نظام سياسي ومنحه مساحةمناورة وفعلاً إقليمياً متحركاً ومرناً باستثناء إسرائيل، التي يجب تعريفها بانها القاعدةالأميركية الثابتة في المنطقة وغير المهددة بالمنافسة من أية دولة أخرى.
وما احتدام الخطابالأميركي- الإيراني، والتجييش العالمي من قبل إدارات البيت الأبيض ضد خطر امتلاك إيرانللسلاح النووي سوى استباق للوضع الذي قد يفرض على الأميركيين قبوله مستقبلاً، أي إعادةترسيم إقليمية مخلة بنموذج الواقع الحالي.
الدور الإسرائيليالمفتعل منذ سنوات عدة ضد محاولة إيران الحصول على السلاح الذري مقصود منه مسألتان:الأولى- حصول إسرائيل على ما تشاء من التكنولوجيا الأميركية المتطورة ومعها ضبط العالموراء تأييدها كدولة قلقة ومهددة مباشرة، والنظر أيضاً إلى قضية التسوية بصفتها ملفاًثانوياً مقابل ما يتهددها، وبالتالي يُبرر وبشكل منهجي مشروع تأجيل التفاوض الجدي علىالأرض التي تحتلها. والثانية- تستثمر الإدارة الأميركية التهويل الإسرائيلي لكي تتصنعمخارج حلول صارمة وفاعلة ضد المساعي الإيرانية، وأيا تكن أثمانها تبقى أقل من كلفةحرب يخاف العالم الانجرار إلى معمعانها، رغم عدم جني أية مكاسب منها.
إضافة إلى ذلكتروج الإدارة الأميركية الحماسة الإسرائيلية للحرب ضد إيران كدفاع عن نفسها وعن الدولالمجاورة أيضاً، وبذلك تستثمر الولايات المتحدة دور إسرائيل بتناغم تام مع الدولة العبريةللتخفيف من خطورة وجودها ومن سياستها العدوانية والتوسعية على المنطقة، وهذا على المدىالبعيد يمهد لوصول التمرين على حقيقة وجودها إلى تطبيع ذهني يعترف بها ويسهل التعاملمعها.
تتبوأ إسرائيلمكانة موظف الدرجة الأولى في دائرة المصالح الأميركية في المنطقة، كون إسرائيل التابعالمثالي للولايات المتحدة. المميز في هذا الامر أن الخطط الأميركية يتم رسمها أو تعديلهاأو الشروع في تنفيذها بحضور أو محاورة موظف الدرجة الأولى بصددها، مع لحظ الأخذ بآرائهومواقفه بأهمية بالغة، ومن خلال حيثيات الخطط يتم تحديد الإسهام الإسرائيلي فيها.
لماذا تشديد إسرائيلعلى إعلان خوفها من أسلمة المنظمة؟
لم تتخوف إسرائيل يوماً من غير الخطاب المعتدل، الذييعرَّي تخوفها وقلقها المفتعل. ولأن قادة إسرائيل يدركون جيداً أن مفهوم الاعتدال يقومعلى تسوية تاريخية تعيد الحقوق، وتعيد رسم البعد الثقافي لعلاقتها مع المنطقة على أسسالتكافؤ والاحترام والندية، نراهم هؤلاء القادة يصرون على تهييج العصبيات وإثارة الغرائزوالدفع باتجاه طغيان الخطب الطائفية والمذهبية وتكريس مقولة الحرب الدينية، مما يعنيهروبهم إلى الميدان الذي ينتج الخوف المصيري ومعه القلق الذي يشد أوصال ما يسمى"الأمة المحاربة" وبذات الوقت يضع العالم أمام واجب المفاضلة والمقارنة بينالنماذج السياسية والحضارية لصالح الكيان الإسرائيلي، الذي سبق وانكشف على عنصرية وعدوانيةصهيونية فاضحة بنظر العالم أجمع، وهو المعيق الحقيقي للتسوية.
وما التصعيد الإسرائيلي الإجرامي الاخير على قطاعغزة سوى دليل واضح على مركزية دورها في التأثير على المزاج الجماهيري العربي من أجلإعادة تموضع جديدة للنماذج التي نشأت خلال الربيع العربي، ومتصارعة حول الاولويات بينالتغيير أو التماسك في موجهة الغطرسة الصهيونية – كتناغم مع الخطاب السوداوي حيال مسارالتغيير العربي.
كذلك يسهم الإجرامالإسرائيلي وما يرافقه من تهديد وتسريب لخطط عسكرية مزعومة ضد غزة أو لبنان بتصاعدنبرة الاتهام والاتهام المضاد بين قادة وجماهير القوى المنقسمة في توجهاتها وخياراتهاالسياسية المحتدمة. فعلى الرغم من تخفيف الرئيس محمود عباس من أهمية العقبات التي تعترضطريق تنفيذ اتفاق الدوحة الذي وقعه مع السيد خالد مشعل منذ حوالي الشهرين، إلا أنناشهدنا ولأول مرة، منذ الانقلاب الحمساوي المشؤومفي حزيران 2007 تصعيداً وغضباً في نبرة تصريحات رئيس وفد حركة فتح للمفاوضات مع حماسالسيد عزام الأحمد، وزميله في اللجنة المركزية لفتح السيد جمال محيسن.
وإذا كنا تحدثنافي مقال سابق عن سهولة استعمال القضية الفلسطينية في الصراع الدائر بين معسكري التغييروأعدائه، وقلنا إن ما استجد من مصالح وموازين قوى وتشعب لاهتمامات حماس اليومية أتاحبعض المرونة والاختلاف في علاقاتها العامة وبين مرجعياتها الداخلية أيضاً، يؤكد ماسبق وقلناه.
نوايا الموقعينعلى الاتفاق طيبة وجدية. فهل تكفي للشروع ببدء استحقاق الوحدة؟ الجواب للأسف سلبي.
سابقاً وحالياً،خيَّر الرئيس الأميركي والإسرائيليون الرئيس محمود عباس بين السلام والمصالحة مع حماس،فاختار الرئيس الفلسطيني المصالحة وبشكل قاطع. ما الذي تجنيه القيادة الإيرانية مننسف خيار المصالحة الفلسطيني؟ ولماذا هذا التقاطع بين قوى التشدد في المنطقة بوجه الاعتدالالذي لا يعادي ولا يستثني أحداً؟
اللقاء الثانيالمقرر بين الرئيس عباس والسيد خالد مشعل قد يخرج علينا بوعود تكللها قبل وابتساماتتبرزها فلاشات كاميرا الإعلاميين. ومع ذلك سوف تتعرقل مسيرة المصالحة. الخوف أن تكونمصالح البعض في حماس وصلت إلى حد الإعجاب بالنموذج القبرصي أو الكوري.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها