بات واضحا بأن الصورة ملتبسة لدى كثيرين ممن يتابعون ملف الانقسام الفلسطيني، أو من اكتووا من تبعات ونتائج الحال المتردي المستمر منذ أواسط عام 2007 بعد سيطرة حماس على زمام الأمور في قطاع غزة بقوة السلاح.

كنت في البداية أميل إلى عدم الكتابة في هذا الموضوع بعدما تعبت من الكتابة والحديث في موضوع وصلت فيه إلى درجة اليأس الشديد، ألا وهو ملف المصالحة الفلسطينية، ليس لأنني أتابع التراشق الإعلامي المقلق عبر وسائل الإعلام؛ بل لأنني أمتلك المعلومات الدقيقة عن هذا الموضوع لقربي من كل اللقاءات التي تعقد في القاهرة بهدف تطبيق اتفاق المصالحة، سواء أكانت لقاءات ثنائية أو موسعة.

قررت في النهاية أن أخط هذه الكلمات لإيماني بضرورة توضيح الحقائق أولا وثانيا لأقول كلام على أمل بأن يصل القلوب هذه المرة، بعدما اكتوينا كثيرا بنيران الاقتتال والانقسام.

وقبل الخوض بالتفاصيل، أوضح للقراء بأنني لا أريد بهذه الكلمات الانتصار لفريق على حساب آخر،...صحيح أنني شخص مؤطر، ولي مسمى تنظيمي ونشاط سياسي، ولكن الإنسان العقلاني والوطني ينتصر لوطنه وقضيته أولا ولو كان ذلك على حساب الفصيل أو الحزب الذي ينتمي إليه.

إن ما فاجأني بأن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل طلب رسميا من الرئيس محمود عباس تأجيل المشاورات الخاصة بتشكيل الحكومة الانتقالية خلال لقائهما في القاهرة في الثاني والعشرين من فبراير/شباط 2012، وهو ألمح لوجود أزمة داخليه في حركة حماس وأنها من تبعات إعلان الدوحة،...لقد تعامل الرئيس أبو مازن مع الأمر بواقعية واستجاب...

وفي اليوم الثاني خلال اجتماع لجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير على مستوى الأمناء العامين في الفصائل وأعضاء اللجنة التنفيذية في القاهرة، تم مناقشة الأمر، وكان واضحا إصرار الجميع على ضرورة الشروع في المشاورات لتشكيل الحكومة، باستثناء حركة حماس، وكم كان مفاجئا بالنسبة لي ولآخرين صراحة مشعل وتلميحاته إلى وجود صعوبات داخلية لدى حركة حماس،...والمتابع يدرك وجود معارضة لدى قيادات حماس في غزة ومحاولات لإبقاء الأمر على حاله.

وحتى لا يوضع مشعل في دائرة الاتهام في هذا الموضوع بالذات، لا بد من التوضيح بأن قيادات فلسطينية ومن ضمنها شخصيات متنفذة في حركة حماس أكدت بأن لقاء الرئيس أبو مازن مع عدد من أعضاء المكتب السياسي وغالبيتهم من غزة ومن ضمنهم إسماعيل هنية، جاء بطلب خالد مشعل، وأريد منه شرح وجهات النظر، ومحاولة التأثير إيجابيا على معارضي إعلان الدوحة...

وعندما نتحدث عن هذه التفاصيل يتبين وجود نوع من الانسجام لدى قيادتي حركة فتح وقيادات حماس بالخارج، وهذا شيء جديد، وهو تطور إيجابي، وقمة الإيجابية أن تتحدث لأخيك عن همومك ومشاكلك وتتشاور معه بالحلول...وبخاصة إن كان الأمر يتعلق بالهم الوطني وبالمصالح العليا لشعبك.

ومن الواضح بأن هذا الانسجام أزعج كثيرين ممن لا يروق لهم بأن يجدوا الأمور تسير نحو تشكيل الحكومة الجديدة، ومن هنا شرعوا بتصريحات إعلامية 'مسعورة' أريد منها تعكير صفو هذه الأجواء، وتحويل الأمر إلى مسار مختلف يكون عنوانه 'التراشق الإعلامي' وصولا لإفشال إعلان الدوحة.

إن أي مراقب وخبير في الرأي العام أو بالدراسات الإعلامية، يجد أنه بُوشر بحملة إعلامية منسقة ومبرمجة انطلاقا من غزة، تكرر فيها نفس الأفكار، ولو اختلفت الكلمات، وهذا يظهر بأن هناك مجموعة متخوفة من هذه التطورات وتسعى لتثبيت الوضع على ما هو عليه.

وبات واضحا أن واقع حماس في الخارج بات عكس الماضي تماما، بعد الخروج الاضطراري من سوريا، فالإرباك سيد الموقف والدول المضيفة ولو اتضح بعضها لم يتضح شروطها للاستضافة، بينما المشهد في غزة في ظل ضبط الحدود ومنع الهجمات ضد إسرائيل يتسم بالهدوء والاستقرار النسبي، وكل قيادي يقيم في بيته ووطنه وسط حراسة مشددة.

لأول مرة نجد حركة حماس بهذا الشكل، وأن الأمور تسير لصالح المستفيدين من الوضع الراهن ومن استمرار الانقسام، وما يزيد الأمور تعقيدا، وإن صحت بعض التقارير، هي دخول طرف إقليمي مباشرة على خط قيادة الحركة في غزة، وإرسال المال مباشرة للقطاع لمحاولة إفشال إعلان الدوحة، وإضعاف قيادة حماس في الخارج، وتحديدا نفوذ رئيس المكتب السياسي خالد مشعل.

بالإمكان أن نتفهم تباين وجهات النظر داخل الحزب أو الفصيل الواحد، ولكن حركة حماس تاريخيا كان لها بيان واحد وحديث واحد وموقف واحد، ولكن حالها الراهن، لا يمكن أن يسر أي إنسان يأمل بأن يتم طي صفحة الانقسام إلى غير رجعة.

إن محاولة إضعاف التيار الجاد في المصالحة الوطنية، أمر مقلق، ولا يبشر بالخير، ولا أرى بأن الأمر يتعلق بتبادل أدوار بقدر ما هي مشكلة حقيقية يفتعلها عدد من المستفيدين من الامتيازات، والفرحين بالمرافقين و'المواكب'، و'كرسي السلطة'.

إن التقارير تظهر دخول 651 شخصا جديدا ضمن قائمة من 'المليونير' في غزة منذ منتصف عام 2007، وكل ذلك نتاج السيطرة على الوكالات التجارية، ونتاج تجارة الأنفاق، وغيرها، ..وأن تصبح جماعات المصالح تتحكم في مستقبلنا، فهذا أمر يستدعي وقفة جادة من كل وطني وشريف.

إن تعرية وكشف حقيقة من يعارضون تطبيق اتفاق المصالحة أينما كانوا بات ملحا، ويشكل ضرورة وطنية؛ لأن تجار الانقسام هم أكثر من ينظرون ويتحدثون عن ضرورة تعزيز الوحدة الوطنية، ولكنهم على أرض الواقع يمارسون التخريب والتحريض، ويعقدون الصفقات مع جهات مستفيدة من هذا الواقع، كما هي إسرائيل مستفيدة أيضا منه.