بقلم: محمود الاسدي

فتح ميديا/ لبنان،يشكو البعضُ منخمولٍ وضعفٍ جسدي، وسهو ونسيانٍ ذهني، ووهنٍ وخبو استيعاب قراءات مرحلة التقاعد الوظيفي.ويتأففُ البعضُ ممن هُمْ على مقربة من هذه المرحلة ويبدون خوفاً ورهبةً منها، ويصفُبعضُهم المرحلة أنها "موتٌ وأنتَ قاعدٌ".

تُسببُ هذه الشكوىقلقاً وأرقاً، ألماً وحيرةً، إرباكاً وضغوطاتٍ نفسية أثرها وتأثيرها ربما تكون كارثية.وقد نشرتْ مجلةُ "لجنة الشيخوخة الأميركية" أن قدرات هؤلاء ممن دخلوا مرحلةَالتقاعد أو  الذين على مشارفها أن قدراتهم شبيهةبقدراتِ أشخاص تتراوحُ أعمارهم بين 80 و90 سنة. كما يبدون أكثر سناً بحوالي 20 إلى 30 سنة ممن لا يشكون ألماً ولا يتأففونولا يخشونَ تلك المرحلة، ويعرفونَ ويدركونَ فائدةَ تلك المرحلة في حال برمجة الوقتِفي التنـزه والسفر ومشاهدة مناطق وبلدان لم يتسنَّ لهم رؤيتها من قبل. ويمكن تجديدنشاطهم الجسدي في رياضة المشي والسباحة، وتنشيط ذاكرتهم بالانتساب لبعض النوادي الثقافيةأو زيارة المكتبات العامة للاطلاع على تراث الآداب والعلوم والفنون العالمية والإنسانية.

ثلاثة جمعتهم زمالةعمل تربوي وإداري وقبلها زمالة دراسة جامعية، وبين المرحلتين وبعدهما انتماء نقابيووطني والتزام اجتماعي وإنساني، دخلوا تباعاً مرحلة التقاعد. لقاءاتهم السابقة اليومية،مرحلة العمل، ارتكزتْ على أنواع التعليم الأساسي، والتعليم الوظيفي، والتعليم من أجلالحياة، وأهداف التعليم وطرقه ومهاراته وآلياته وأساليبه، وبناء بنود إختبارية، وطرحأسئلة التفكير العُليا، وحقوق أولياء الأمور وغيرها من قضايا تُسهم وتُعِدّ الطلابإعداداً صحيحاً وسليماً ونافعاً للحياة.

مرحلةُ التقاعدالتي يخشاها البعضُ كانتْ عامل تثقيف للزملاء الثلاثة. منحتهم فرصة الاطلاع  على ثقافات وحضارات وفنون وتراث بلدان عربية وأجنبية.

كانت الانطلاقةُمع كمال الصليـبي في كتابيه "التوراة جاءتْ من جزيرة العرب". باللغتين العربيةوالانكليزية، تلاه "بيت بمنازل كثيرة: الكيان اللبناني بين التصور والخيال".

ثم عاشَ  الزملاءُ مع فاضل الربيعي في كتبه "شقيقاتقريش: الإنسان والزواج والطعام في الموروث العربي"، وبعده "إِرم ذات العماد"،تلاه "الشيطان والعرش: رحلة النبي سليمان إلى اليمن". انتقلوا بعد ذلك لقراءةإدوارد سعيد في "الاستشراق"، تلاه "نهاية عملية السلام".  دخلوا بعد ذلك في كتاب "التوراة والإنجيل والقرآنوالعلم" لموريس بوكاي.

تناولت الكتب السالفةالميثولوجيا العالمية والميثولوجيا الإسلامية، التراث والتاريخ، الوضع الديني والسلطويفي أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط خاصة، والتحالف الديني- السياسي- السلطوي بين اليهودية والماجوسية والصراع  بين هذه والديانة المسيحية البيزنطية- الرومانيةرغبة في بسط نفوذ وتعزيز هيمنة اقتصادية وسيطرة على مناطق جديدة. إفرازات تلك التحالفاتالدينية والصراعات السياسية  نشهدها اليوم فيالحراك الشعبي في منطقة حراك الربيع العربي، والتدخلات الإقليمية والدولية.

لم تقتصر قراءاتالزملاء عن هذه الكوكبة من المؤلفين والكتاب والأكاديميين رغم أهميتها وإفرازاتها وآثارها،وإنما انطلق الزملاءُ إلى قراءات أخرى منها "الثقافة والمساواة: نقد مساواتي للتعدديةالثقافية" للكاتب بريان باري ثم "التنوير البريطاني، والتنوير الفرنسي، والتنويرالأمريكي" للكاتب غرترود هيملفارت من سلسلة عالم المعرفة. هذا إضافة إلى قراءات  أخرى خاصة قام بها الزملاء كل على إنفراد ولم تدخلحلقات الثقافة الأسبوعية.

حوارات ونقاشاتوتعليقات الزملاء تضمنتْ آراء ورؤى ومفاهيم وقيم كوكبة الاكاديميين العالميين لتناولهاقضايا دينية وتربوية، سياسية واقتصادية، إنسانية وحضارية أدتْ إلى إثراء ثقافة هؤلاءالزملاء، وعززتْ انتماءاتهم الوطنية والإنسانية، ورسختْ مفاهيمهم الدينية، إضافة إلىقيم وقضايا لم يكن متيسراً الاطلاع عليها ومعالجتها أيام عملهم التربوي.

اليوم، مرحلة التقاعد،منحت الزملاء الثلاثة فرصةً ثمينة ونادرة نشَّطَت الذهنَ ورسختْ مفاهيمَ وقيماً وأحدثتْتغيرات،  وعززتْ قدراتِ حوارٍ ونقاشاً فكانتْرافداً رئيساً لما اكتسبوه في دراستهم الجامعية وأَثروه من خبراتهم التعليمية وما نالوهمن بعثات تربوية خارج الوطن العربي.

وإذا بمرحلةِ التقاعدتضفي نوراً على نور.

والله الموفق.