رحل المناضل بهجت ابو غربية يوم 26 يناير / كانون الثاني الحالي، في الذكرى الرابعة لرحيل القائد جورج حبش، مؤسس حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كأن لرحيل شيخ المناضلين ابو غربية دلالة التأكيد على تعظيم الذكرى، حتى في الموت. ستة وتسعون عاما قضاها المجاهد ابو غربية في الدفاع عن الوطنية الفلسطينية. ومنذُ ابصر النور، وادرك وعيه السياسي خطر الانتداب البريطاني والهجمة الصهيونية على الارض والهوية الوطنية والقومية العربية، نذر نفسه وحياته دفاعا عن قضيته، وشارك في انتفاضات وهبات الشعب في الثلاثينيات وخاصة 1933 والثورة الكبرى 1936 - 1939، كما شارك في حرب 1947- 1949، وشارك في معركة القسطل مع المجاهد الشهيد عبدالقادر الحسيني، الذي استشهد في تلك المعركة. ولم يستسلم لنتائج النكبة المدمرة عام 1948، فواصل السعي دفاعا عن شعبه عبر الاطر القومية التي تشكلت ردا على الهزيمة، فانضم الى حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1949، وانتخب عضوا في القيادة القطرية ما بين 1951- 1959، وقاد النضال السري للحزب 1957- 1960. وتعمدت تجربته الكفاحية في المعتقلات زمن الانتداب البريطاني، وايضا في الاردن في الخمسينيات. وشارك الشهيد ابو غربية بدور اساسي في تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وجيش التحرير وقوات التحرير الشعبية. وانتخب لعضوية اللجنة التنفيذية للمنظمة ثلاث مرات. وبقي عضوا في المجلس الوطني والمجلس المركزي للمنظمة حتى العام 1991. كما انه لعب دورا اساسيا في تشكيل جبهة النضال الشعبي، وبقي عضوا في لجنتها المركزية حتى وافاه الاجل. ابو غربية صفحة مجيدة في النضال والكفاح المجيد للشعب العربي الفلسطيني. لم يستسلم لليأس، ولم يهادن للحظة، حمل راية القضية الوطنية ومضى قدما الى ان اسلمت روحه نفسها لبارئها. غير ان نموذج بهجت ابو غربية، وسجله الذهبي في العطاء الوطني، كان وسيبقى معلما مهما للاجيال الفلسطينية والعربية الصاعدة. رحل ابو غربية مع مضي عام على الثورات العربية. لعل لذلك رمزية خاصة بالنسبة للشيوخ المجاهدين امثاله، الذين انتكب جيلهم والجيل الذي تلاهم اكثر من مرة، مرة بالنكبة، واخرى بافلاس وهزيمة العرب في العام 1967، ومن ثم في تراجع المشروع الوطني والقومي مع دخول العرب مرحلة كامب ديفيد واوسلو، رمزية إعادة الاعتبار للذات الوطنية والقومية، مع ان ضبابية المرحلة الانتقالية مازالت تغطي فضاء اللحظة السياسية مع تبوء الجماعات الاسلامية (الاخوان والسلفيين) المشهد السياسي العربي، وبالتالي الافق ما زال غامضا ومشوشا. لكنها في مطلق الاحوال لحظة التغيير وانبثاق الفجر الجديد ولو بعد حين. وداعا يا شيخ المجاهدين .. لا تحزن ولا تقنط، ولا تخش على الشعب والقضية والامة، فالشعوب العربية على ما ابتليت به من نكبات ومآس، إلا انها ولادة الرجال العظام والاجيال الواعدة، التي لن تهرسها ثقافة «التكي ويه» والهامبورغر وراعي البقر، بل العكس صحيح، فإن الاجيال المولودة من رحم الثورات العربية ستعيد الاعتبار للامة والقضية والحرية وستصنع فجر السلام، الذي تريده ويريده كل الثوار والاحرار.