الخطاب التنظيمي الواجب من حركة  فتح في ظل المرحلة الراهنة بما فيها من مُعطيات وما سينتج عنها من إفرازات و نتائج مستقبلية؛ يتعين أن  يحمل رؤية "فتح" السياسية في التعاطي مع كافة الملفات  على الصعيد الدولي والإقليمي والداخلي، وأن يرتكز على روح اقترابها من الجماهير – في أصل نشأتها وولادتها -  وأن يُصاغ  للآخرين بخطاب إعلامي يكفل نجاعة التأثير وعُمق الوعي المدفوع من أدبياتها لأذهان الأخرين، دونا تجاهل لأهمية انعكاس الموقف  التنظيمي  للقضايا الداخلية في خطاب الحركة الشامل.

فللحركة ثلاث خطابات تعكس رؤية فتح الحركية: الخطاب  السياسي ، الخطاب الاعلامي ، الخطاب التنظيمي.

الاول:- يتحدث عن رؤية الحركة عن المستقبل – الصراع- الحقوق الوطنية الثابتة ، وبالمجمل (الفكر السياسي) عناصره ، اهدافه، استراتيجيته.

الثاني:- يتحدث عن الرؤيا السياسية للحركة الى الراي العام، الاطر، الحلفاء، الاعداء.

الثالث:- يتحدث الى الاطر الحركية ، كيفية عملها، مهماتها، واساليب العمل والياته، الحفاظ على العضوية، الالتزام والانضباط، التطوير والفعالية ، والعلاقة مع جماهير شعبنا.

 

الخطاب الحركي

يضم الرؤيا الشاملة للحركة، وفيه الالتزامات الوطنية، والنضالية، والسياسية، والجماهيرية وحوار ذهني يشرح طبيعة المرحلة وأهدافها وتحدياتها، و يوضح متطلبات العمل وأولوياته وفق خلاصة تقديرات الموقف والمرحلة  لتحقيق الأهداف بتمكين الوحدة والصمود  والحرية والاستقلال في كل مرحلة وفق ملامحها.

أيضا، الخطاب الحركي يراعي التأكيد على قيم وروح الحركة والمفاهيم التنظيمية التي تحث على العمل الجماهيري والنضالي، و تقديم الحلول لمعالجة المشكلات وازالة العقبات التي تعترض طريق التقدم في المهمات والعمل.

من جانب آخر يجب أن يتعاطى الخطاب الحركي العام بالتركيز على ضرورة اجتثاث ومحاربة كل الآفات التي تعلق بالجسم التنظيمي ، وتظهر ملامحا بما هو نفسي  مستسلم لحرب الإشاعة أو ببث روح الإحباط بين القواعد والجماهير. ومنها ما هو سلوكي يظهر بالشللية التي تُقدم المصلحة الضيفة لفرد أو مجموعة على المصلحة التنظيمية والوطنية العامة أو تعمل على فرض وإخضاع الرأي التنظيمي لرؤيتها دون استماع للآخر وبوسائل غير مقبولة في العُرف التنظيمي. كما تتبين الآفات السلوكية بعدم الانضباط والتعاطي مع الهيكليات والمرجعيات والأفكار التنظيمية باستهانة تعيق العمل التنظيمي  في كافة الأصعدة.

 إن اضعاف روح الجماهير، بضرب الثقة والاحترام والالتزام والتاييد، وببث الاشاعات والتشهير بسمعة الحركة وكفاحها عامل يؤدي – بقصد أو باستهتار وضيق أُفق -  إلى إسقاط المشروع الوطني بالحرية والاستقلال.  وهذا ما شهدته المراحل السابقة من حياة العمل الفتحاوي حتى يومنا هذا، خاصة وأن قوى اقليمية واجنبية سعت ولا زالت تسعى  الى شرذمة النضال الوطني الفلسطيني، واحداث انشقاقات وانقسامات في الصفوف الداخلية للجبهة الوطنية وخصوصا في داخل حركة فتح.

 علما ان الحركة وقادتها في سنين الماضي ادركت كيف تتعامل مع التناقضات وأوجدت لها الحلول المختلفة  وخاصة لتلك التناقضات الجانبية الثانوية،  لتحافظ على استمرار المسيرة النضالية في مواجهة التناقض الرئيسي، والتغلب عليه. وفي ظل  هذا الزمن المتغير جدا بمعطيات التقدم واختلافات الرؤى السياسية بين الحلفاء والأعداء والمواقف الشعبية الإقليمية، وما وصلت اليه من وضع معقد على الساحتين الفلسطينية  والعربية،  يقتضي التفكير بمصير الهوية الفلسطينية ، وطنيا، وقوميا، وثقافيا وسياسيا واقتصاديا.

 

الدولة القومية والربيع العربي

الدولة القومية تمضي في مرحلة اجتثاث ممنهج، وأنظمة الحكم يُعاد صياغتها وتركيبها بأدوات  عربية و مفاهيم دولية تُحرك الأمور في اتجاه جديد.  وبتتبع المسار الذي تتجه إلى أنظمة الحكم  في المنطقة، فالتوجه لنسخ النموذج التركي في الأقطار العربية موجود (دول علمانية بحكومات إخوانية)، وعبر بوابة العولمة يسعى الثالوث الكوني (الولايات المتحدة الأمريكية - إسرائيل – أوروبا) للسيطرة   على مكامن القوة و الاقتصاد بالهيمنة  على الحكمة.

 النموذج الليبي سينتهي،  وحركة التحرر الوطني من المنطقة  أيضا ، وسيحل مكانهما ما يسمى "بالديمقراطي" المتقبل للآخر والأكثر نزعة لتغيير الثابت ومناقشة المتغير وإضعاف ما هو راسخ رسوخ الجبال عبر بث مسوخات تفسيرية بمفاهيم الحرية والديمقراطية بإعادة إنتاج تتوافق مع بناء إسرائيل سيدة الموقف بلا  منازع

 لقد مضى الربيع العربي في طريق الفوضى الخلاقة ، "النظرية الامريكية" المقترحة  في فترة "بوش" الابن، و عرابتها "كونداليزا رايس" ونجحت تلك النظرية إلى حد كبير  ولا زالت تقطف الولايات المتحدة  ثمارها حتى الان.

والمتتبع لمسار الأحداث والنتائج منذ عام حتى الآن ؛ يجد الجماهير العربية ن في ربيعها دون تنظيم واضح حقيقي  فلم تمتلك ذلك  الخطاب تنظيمي الوطني المحدد. وانما سارت في  حراك تعمه الفوضى واللاوضوح، وكانت أرضا خصبة للآخر في قبولها التحريض وتبديل الموقف.

ومن أملى في الحراك العربي  خطابا تنظيميا من كل القوى انقض على الحكم  بما يسمى بانتخابات حرة ونزيهة في لحظة احتقان الجماهير ورغبتها في الجموح والمخالفة لكل ما هو قائم أو اشترك في ما كان قائما ( النموذج المصري)  ونتاج ذلك كان لصالح الاصولية بكل اشكالها، "اخوانية وسلفية". بالتالي وبحكم علاقة القضية الفلسطينية  بما ينتج من تأثيرات الحدث العربي يجب الانتباه إلى أثار  المرحلة على العملية السياسية والقضية الفلسطينية برمتها.

الخطاب التنظيمي  وفق الأصول

 نؤكد على أهمية  ان يُصاغ ويُقدم الخطاب التنظيمي بأسس وقواعد واصول مرتكزة على حاجات السياسة والمجتمع، وكيفية ادارة العلاقة مع القوى الجماهيرية المؤطرة وهذه من اهم الملامح في  تحقيق الفوز الانتخابي ديمقراطيا.

لذا يتعين أن نكون بصدد العودة الى مفهوم العمل التنظيمي لحمل مسؤوليات الخطاب السياسي والخطاب الاعلامي وخلق راي عام ناجح لصالح البرنامج والمشروع الوطني بالحرية والاستقلال واقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الى ديارهم "فلسطين".

إن تاريخ حركات التحرر الوطني العالمية ،منذ بداية القرن الفائت، ملئ بتجارب ودروس وعبر العمل الثوري والنضالي والجماهيري نذكر منها على سبيل المثال، التجربة الصينية، والسوفيتية، والفيتنامية، والكوبية، والجزائرية، والنكاراجوية، والثورات المتعددة التي خاضت حربا طويلة الامد مع الاستعمار بكل اشكاله وعنفوانه.

 لايمكن لهذه التجارب ان تنتهي مهما كان العصر الحالي والتغيير الواسع للحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والاتصالات ، فالتنظيم حاجة ثابتة في حياة المجتمعات والجماعات وبدون التنظيم يتبعثر الجهد والعطاء وتنتهي التجارب الانسانية الى حيث لا ندري.

وسائل التغيير

كما هو معلوم في التاريخ ، ان وسائل التغيير ثلاث:-

1- الانقلاب العسكري.

2- البرلمان.

3- الثورة الشعبية.

وفي حالات اخرى، يكون النضال الجماهيري السلمي ، واللجوء الى الاعتصامات، والاضرابات، والمظاهرات وغيرها من الوسائل السلمية نموذج تغيير،  وقد شهدنا منها في الاونة الخيرة في الساحات العربية.

إلا أننا  نؤكد ان  التنظيم المتسلح بكافة المفاهيم النضالية و الثورية هو السلاح الأمضى في حروب السيف، والمواجهة والصمود وكل مجالات الحياة يمكن ان تستمر وتتطور دون التنظيم.

وحتى يحضر التنظيم الى واقع الجماهير، فلا بد من وجود خطاب له، واضح  ومتين، يعكس المفاهيم الحقيقية للعملية النضالية الهادفة الى التغيير.

لماذا نحتاج خطابا تنظيميا فاعلا؟

لان الثورة هي التغيير الجذري للواقع السلبي الى الواقع الافضل، الذي يسوده العدل والحرية والمساواة والسلام العادل في المجتمع الواحد. ولكن في حالة كحالتنا نحن ابناء الشعب  الفلسطيني والذين ما زلنا نخوض غمار الثورة والنضال  بالرغم من التغيرات، فان الاجيال السابقة والحاضرة مع اجيال مترابطة بالفكرة والوعي والثقافة والهدف وما زالت الطريق امامها طويلة لنيل الحرة والاستقلال، لان الصراع الذي نواجهة صراع معقد وطويل الامد، فالعدو الصهيوني ليس كباقي  الاستعمار القديم والحديث، وانما هو استعمار يقوم  على اساس نفي النفي، اما ان تكون او لا تكون، اما نحن او هو، والصهيونية نجحت بالاستيلاء على البلاد وإخضاعها الى بنية مختلفة عن البنية التي كانت قائمة في  فلسطين قبل ستين عاما، واعتمدت الصهيونية  في  تحقيق ذلك على التنظيم؛  بجلب اليهود الى فلسطين ومن ثم اعادة تنظيمهم والسيطرة عليهم ليقوموا بفرض المشروع الغربي على بلادنا.

العدو المتمثل بفكرته الصهيونية  قوي ولا يمكن قهره الا باعتماد وسائل واساليب متطورة، تقوم على اساس ثابت ينفذها هو التنظيم.

فالتنظيم هو الاطار الذي يجمع القوة في داخله ويوجهها الى الهدف، وهذا ما يجب اتباعه كل مراحل الصراع والحرب والسلم والبناء وبدونة لا يمكن ان نحصد انتصارا.

والتنظيم  اشكال متعددة لكنه في الحصاد الكلي يبقى تنظيما، فهناك الزب، والحركة، والجهد، والمنظمة..... الخ، لكن ما نفقده نحن وفي حالة كحالتنا نحن حركة، وهي اطارواسع يضم الكل في المجتمع والشعب، ويعتمد الوسائل والمفاهيم المرنة في تحويل طاقته الى الهدف، لكن التنظيم له اسس ومعايير ومواصفات لا يمكن ان يحيد  عنها لانه يريد ان يستمر بالمشروع الذي قام على اساسه.

من هنا نؤكد ان تنظيمنا الحركي كان مختارا بشكل دقيق لحالة كحالة شعبنا الذي عانى من التشرد واللجوء في مخيمات وغيره.

وما يعنينا في هذه التجربة الحركية، صفة هامة هي" الحداثة" فحركة فتح استطاعت ان تتواصل على هذا الاساس، الحداثة والتحديث والمواكبه لتطورات الحياة والمجتمع والصراع وما زال المشوار طويلا ومطلوب الكثير من قيادتها لتقدمه للحركة والواقع الوطني، اذا ما توفرت الشجاعة والاخلاق.

 

خصائص الخطاب الحركي :

ما نرغب نثير حوله الجدل في هذه المرحلة الاطلاع على خصائص الخطاب التنظيمي الحركي، لنتاكد ان هناك وحدة مفهوم وهدف ووسيلة في  مرحلة غاية بالصعوبة والتحدي.

وأهم ما نرى ذكره لهذه الخصائص:-

1) وطنية وقومية وشمولية الخطاب التنظيمي الموجه الى أطر وكوادر ومناضلي الحركة بشكل متتال ودون انقطاع.

2) القدرة على ايصال العمل والمنجز الفتحاوي الى جماهير شعبنا على اختلاف قطاعاته، عمال وفلاحين، مهنيين وأكاديميين،  برجوازية وطنية، و أنصارا وأصدقاء.

3) الخطاب التنظيمي الحركي  خطاب وحدوي ، تلاحمي يركز على التناقض الرئيسي، ويعالج التناقض الثانوي.

4) يخاطب العضو ويطلق له الهمات والاهداف الواجب انجازها، والتركيز على قيم المجتمع واخلاقنا النضالية والوطنية، وحماية سمعة الحركة والعمل الفتحاوي لضمان طمأنة الجماهير وبعث الروح المعنوية العاية لتعزيز الالتزام بالهدف والنضال والحقوق الوطنية.

5) الحث على العمل وبذل الجهد، والعطاء والتضحية، والقضاء على الثقافة الخاطئة والجهوية والفئوية الضيقة ويعتبر ان الانتماء والاخلاص للحركة هما القاسم المشترك الاعظم لابنائها اي كانت منابعهم الاجتماعية او الطبقية او الجغرافية.

6) أن يتقرب الخطاب من الوجدان الجماهيري  وحاجات الناس وأن يتحدث عن تصحيح السلوك المجتمعي الخاطئ وأن يؤمن بضرورة توفير عوامل الصمود الاقتصادي والسياسي للمواطن.

7) أن يكون قادرا على التعاطي مع المفاهيم العصرية الحديثة  سلسا يسهل الاتصال عبره بالجماهير بما أصبحت عليه من وعي، قادرا على مقارعة الخطابات الأخرى من تنظيمات و جهات معادية.

هذا ما يحتاج اليه الخطاب التنظيمي الذي يستمد قوته منمفاهيم واهداف الحركة، ومتابعة الواقع ومعالجة الهموم والاستفادة من اخطاء الممارسة لان الخطاب الحركي خطاب نضالي  وليس نفعي او ذرائعي مهمته شحذ الهمم وصقل التجربة بالوعي والاخلاص، وتعزيز الالتزام والانضباط والمضي قدما نحو  الانجاز.

خاتمة القول:

ان مواكبة العصر وتطوراته من اهم ما نسعى الى فهمه وهضمه، وان الممارسه اساس حركي تعكس الفهم الجيد للحركة ودعواتها، ومنطلقاتها، وعلى خطابنا التنظيمي ان  يغطي الشأن الحركي، والشان الوطني  كي نستطيع ان نتواصل كحركة مع الاجيال المتواكبه ومتطلبات العصر، عمليا، واجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا، لان ما تتركه التغيرات الجارية ورائها سينتهي ويتلاشى ويحل مكانه اخرين.

خطابنا الفتحاوي يحتاج الى الكثير من بذل الجهد والواقعية، وتقديم المعالجات وملاحقة السلبيات وتحويل الواقع في الوعي والممارسه الى تراكم ايجابي متقدم، والنهوض المستمر بالواقع الحركي حتى يتسنى الاستمرارية ومواكبه الطريق لتحقيق الهدف.