عنون المجلس المركزي الفلسطيني دورته الثانية والثلاثين بهذا العنوان "دورة لا للتهجير، ولا للضم، الثبات على أرض الوطن، إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب، حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة". بدا العنوان طويلاً بعض الشيء، لكن هذه هي التحديات الجسيمة التي تواجه اليوم حركة التحرر الوطني الفلسطينية، ومشروعها التحرري، وعلى المجلس المركزي أن يبحث عن أجدى السُبل وأنجعها لمجابهة هذه التحديات والتصدي لمهامها، وهنا ولأجل ذلك وبعد كلمة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، أعطى في ختامها الكلمة للرئيس أبو مازن، الذي تولاها بداية على نحو البوح الموجع، للحال التي وصل إليها شعبنا، في قطاع غزة والضفة الفلسطينية المحتلة، جراء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية، التي أشعلت نيرانها حكومة نتنياهو، بعد أن تذرعت بهجوم السابع من أكتوبر 2023 الذي قامت به حركة "حماس" وأوقعت بسببه، فلسطين بأسرها في جائحة الكارثة.
دمعت عيون العديد من أعضاء المجلس، وضيوفه، حين راح الرئيس أبو مازن يذكر الأعداد المهولة للضحايا الشهداء، والجرحى، والنازحين من أبناء شعبنا، جراء حرب الإبادة، بل هيمن على القاعة صمت الألم النبيل، حين راح الرئيس يذكر أعداد العوائل التي محيت أسماؤها من السجل المدني، وأعداد الأطفال، والنساء، الذين سحقتهم الحرب الظالمة، على نحو بالغ التوحش والعدوانية العنصرية.
وفي هذا الإطار أحسب أن الرئيس أبو مازن كان كمثل "هوميروس" وهو يسجل للتاريخ الملحمة الفلسطينية، بكل جوانبها المأساوية، لكنه أيضًا لم تفته اللازمة الوطنية، بقرارها الحاسم: "نحن هنا باقون" ولنا الدولة "شاء من شاء وأبى من أبى" مترحمًا هنا بعد هذه المقولة، على صاحبها الزعيم الخالد ياسر عرفات، فلا يأس إذن، ولا احباط، الجراح عميقة، والتحديات جسيمة وعديدة، لكن إرادة الحرية والاستقلال، وبقوة القرار الوطني الفلسطيني المستقل، تظل هي البلسم الذي سيداوي تلك الجراح، مثلما تظل هي السبيل الأمثل، لمجابهة التحديات، والتغلب عليها، حين التصدي لمهامها بالوحدة الوطنية الجامعة.
وفي ساعة وأكثر قليلاً، فرد الرئيس أبو مازن أمام المجلس المركزي تفاصيل الملحمة الفلسطينية، وعدّد ما أنجزت الشرعية الفلسطينية حتى الآن، على طريق قيام دولة فلسطين المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، مثلما عدد سبل المواجهة، وضرورة تحقيق الوحدة الوطنية الجامعة، دون أن يغفل ضرورة الاصلاح، والنقد الموضوعي المسؤول، والمراجعة معًا، للوضع الفلسطيني الراهن، ووضع النقاط على حروفها، بكل ما يتصل بالواقع ومعضلاته، والمخاطر التي تهدد القضية الوطنية بالنسف والتدمير، وحيا في الختام شعبنا الفلسطيني البطل في غزة والضفة، مترحمًا على شهدائه، ومتمنيًا الشفاء لجرحاه، والحرية لأسراه، شاكرًا بعد ذلك أشقاءه العرب على مواقفهم الداعمة لفلسطين، وقضيتها، خاصة المواقف الرافضة للتهجير، المصرية، والأردنية، والسعودية.
سيقرأ المجلس المركزي خطاب الرئيس أبو مازن، كمنهاج رؤية، وعمل نضالي حثيث، فما عاد ثمة وقت لأي تردد ،ولا أي تمهل، ولا أي تنظير من أي نوع كان، ولا بد من هندسة العمل الوطني على نحو ما هندس الخطاب حقيقة الواقع والملحمة معًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها