هذه هي الإنسانية في طبيعتها، عندما يحزن تنطلق من داخله كلمات لا يمكن له أن يتفوه بها في الحالة الطبيعية، والرئيس وإن كان متواضعًا في وصفه لنفسه بأنه أصغر الرؤساء، ولكنه يترأس دولة فلسطين، ويحمل همها، وعقيدتها التي من يحمل أعباءها فقد تربع على امبرطورية عالمية. وكيف لا والقضية الفلسطينية اليوم تهز أركان العالم، وهي التي تصدح الحناجر، والثورات في كل مكان، وضجت بها أروقة ومكاتب الأمم المتحدة،  من أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. أنا لا أعتقد من ارتكب جرم تقسيم فلسطين، وإقامة دولة لليهود على أرضها كان يدرك أن اشتعال هذه الأزمة ستستمر إلى اليوم، وكلما حاولوا أن يخبوا نارها ازدادت اشتعالاً. لقد اعتقد من قام بهذا الجرم أن هذه القضية ستندثر مثلما اندثرت الكثير من القضايا في خبايا الزمن وأروقة الأمم. فقضية الهنود الحمر مثلاً، والأرمن، والأكراد، وغير ذلك من القضايا التي خبت وأزيلت من الوجود، تمامًا تعبيرًا عن القول أن الكبار يموتون والصغار ينسون.

الرئيس عباس تحدث من حرقته على شعبه الذي يباد بالآلاف، عائلات تم شطبها من السجل المدني، أطفال أبيدت، وأطفال أخرى تيتمت، ومنهم من  أصبح من ذوي الإعاقة، لا ذنب لهم إلا أنهم يعيشون في غزة. أمام حجم الكارثة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني في الأرواح والممتلكات، وما زالوا يتعرضون إلى حرب الإبادة الجماعية، والتجويع والتعطيش، ومنع الدواء، وتعطيلٍ لكل مسارات الحياة في التعليم، والتطور، والبناء والنوم في العراء ما بين لفحات البرد وأتون حرارة الصيف فإن المسميات التي تنسب إلى حجم هذه الكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني لا تتناسب مع تلك المسميات. 

بعض التقارير الأممية الصادرة عن خمس منظمات دولية– تفيد بأن 70% من القنابل المُلقاة على غزة تحتوي على يورانيوم مُنضب، أي أنه يُعد تطورًا بالغ الخطورة، سواء من حيث الاعتراف الضمني باستخدام هذا النوع من الأسلحة، أو من حيث الآثار طويلة الأمد التي يمكن أن يخلفها.

وتقول التقارير أيضًا أن قوات الاحتلال قد أعدمت داخل معتقلاتها بإطلاق الرصاص مباشرة 87 معتقل غزاوي وألقت الجثامين في مناطق مختلفة من شوارع غزة. وأيضًا يجري التعذيب في المعتقلات بشكل همجي وجنوني، وما يحدث أفظع مما وقع في أبو غريب وغوانتنامو والسجون السرية.

ولخصت التقارير أيضًا أن سلطات الاحتلال قد قصفت بشكل متعمد ضمن تسلسل الأوامر عائلات وأطفال منّ ينتمون للتنظيمات الفلسطينية وأن جيش الاحتلال أقر من اليوم الثاني خطة إبادة عائلات الناشطين، وكان بنك الأهداف يتضمن 150 ألف شخص مدني.

هذا عدى عن برنامج التهجير الذي بدت ملامحه تظهر إلى دول العالم عبر مطار رامون، بمساعدةٍ من بعض الهيئات الديبلوماسية العاملة في إسرائيل. 

هذا غيض من فيض، فإن رأيتم الرئيس عباس يطلق العنان لصيحاته اعلموا أن الخطب كبير، والمشاعر تفيض من الغضب، وهو بحكم موقعه يعلم ما لا تعلمون، ويتحمل ما لا تحتملون. 

إنه الألم يا سادة، والخطب عظيم، كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته.  ولكن من المهم أن تنظروا إلى الجزء الممتلئ من الكأس، فالرئيس عباس ومنذ 2007 وحتى انعقاد المجلس المركزي اليوم ومن على ذاك المنبر ما زالت يده ممدودة إلى إعادة اللحمة وإنهاء الانقسام البغيض.