تزداد شراسة معركة البقاء والوجود الفلسطينية في مواجهة مشاريع التهويد والمصادرة والضم والاستيطان، وتتلازم مع توسيع دائرة القتل والإبادة والتهجير والاعتقال، وفصل المدن والقرى والمخيمات عن بعضها البعض من خلال الحواجز والبوابات التي تجاوز عددها في الضفة الفلسطينية نحو 900 حاجز، وتتعاظم الانتهاكات وهدم البيوت وتجريف البنى التحتية وجرائم الحرب اليومية على مقدرات الشعب الفلسطيني، واستهداف قياداته الوطنية والكيانية الفلسطينية وخاصة شخص رئيس الشعب ومنظمة التحرير، في تغول واضح على أبسط عناوين التنسيق في دخول وخروج الرئيس محمود عباس من وإلى الوطن الفلسطيني بوسائل النقل البرية والجوية المتفق عليها، وكذلك في وصول القيادات الفلسطينية من مختلف المستويات إلى أي خربة أو قرية أو مدينة أو مخيم يريدون الوصول له دون تدخل، أو إعاقة ومنع كما حصل مع رئيس الوزراء الفلسطيني، د. محمد مصطفى، حيث منع يوم الجمعة الماضي (19/4/2025) من زيارة بعض القرى المستهدفة بالاستيطان الاستعماري.
وهو ذات اليوم الذي رفض فيه بنيامين نتنياهو، رئيس الائتلاف الإسرائيلي النازي الحاكم السماح لطائرات الهليكوبتر الأردنية من نقل الرئيس عباس من مقر الرئاسة في رام الله إلى الأردن وسوريا، بذريعة أن سوريا دولة معادية، وهذا الأمر لا شأن لإسرائيل به، وهي ليست وصية على الشعب والقيادة الفلسطينية، ولهذا الأمر دلالة كبيرة هامة وخطيرة في مضمونها السياسي والقانوني، وهو إعلان حرب، ورسالة واضحة لرئيس المنظمة والدولة والشعب ورئيس حكومته، بأن ما كان قائمًا قبل الجمعة، لم يعد قائمًا بعدها، وألقى رئيس وزراء إسرائيل اللقيطة آخر ما تبقى من رتوش من اتفاق أوسلو في سلة المهملات، وأغلق بوابات ونوافذ التنسيق، إن كان هناك تنسيق من أصله.
وبالتزامن مع الجريمة الأخيرة، دعا أربعة وزراء من أركان حكومة نتنياهو يوم الأحد (20/4/2025) إلى ضم الضفة الغربية كليًا لدولة التطهير العرقي والنازية، وفرض السيادة عليها، جاء ذلك خلال اقتحامهم لأراضي جنوب نابلس، ومشاركتهم في "تدشين" حي استعماري جديد في مستعمرة "هار براخا"، التي أقيمت على أراضي قريتي بورين وكفر قليل بالضفة. والوزراء الأربعة هم، وزير الحرب، يسرائيل كاتس، ووزيرة الاستعمار، أوريت ستروك، وزير العدل، ياريف ليفين، وزير النقب والجليل والمثلث، يتسحاق فاسرلوف، ومعهم قادة آخرين، دعوا جميعهم إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وتعزيز الاستعمار فيها، واعتبر كاتس أن "الاستعمار هو خط الدفاع عن إسرائيل". وأكد أن التصعيد سيتواصل في شمال الضفة الفلسطينية، حسب ما نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية.
هذه بعض ملامح التغول النازي الإسرائيلي، الذي يعكس هدف القيادة الاستعمارية المتمثل في التهجير القسري من أرجاء الوطن، ومضاعفة عمليات الهدم والتدمير، وزيادة وتيرة الإبادة الجماعية، وتصفية تدريجية للكيانية الفلسطينية على طريق التصفية الكلية للقضية الفلسطينية، ودفع الصراع إلى جبهة النفي الوجودي الكلي، إذا تمكنت تلك القيادة المسكونة بالأساطير والميثالوجيا والخزعبلات اللا هوتية، والمكلفة بالدور الوظيفي للدولة في خدمة اسيادها في الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، التي تقدم لإسرائيل سنويًا 12 مليار دولار أميركي، وليس 4 مليارات دولار، كما ينشر في وسائل الإعلام، حسب ما ذكره الرئيس محمود عباس أمس في خطابه أمام دورة المجلس المركزي الـ32.
أمام هذا التوحش المنفلت من عقال التاريخ والجغرافيا والدين والاقتصاد والقوانين، ما المطلوب؟ وهل يكفي الحديث عن المقاومة الشعبية، غير الموجودة بالشاكلة المطلوبة؟ وهل يكفي الركون إلى توسيع وتعميق حضور السردية الفلسطينية في الأوساط الأميركية لتحقيق الأهداف الوطنية؟.
باختصار شديد المطلوب، أولاً وثانيًا وثالثًا وعاشرًا، تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية، وترتيب شؤون البيت الفلسطيني؛ إفشال مخطط التهجير القسري بمختلف مسمياته، وإدخال المساعدات الإنسانية كافة لتعزيز صمود الشعب وتجير بقائه على ترابه الوطني؛ الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من مختلف الأحكام، وبأعداد كبيرة؛ مغادرة حركة حماس المشهد بعد تسليم سلاحها لأجهزة الدولة الفلسطينية وتخليها عن أية مسؤوليات لوجستية في القطاع، وتسليم مقاليد الأمور للدولة الفلسطينية وحكومتها، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة ومحافظات الشمال في الضفة الغربية، وعقد مؤتمر دولي للمانحين العرب والدوليين للشروع بإعادة الإعمار في قطاع غزة، وخلال ذلك وبالترابط معه، تصعيد المقاومة الشعبية الجدية والشاملة، التي تشمل كل محافظات الوطن بدءً من القدس العاصمة، وصولاً إلى آخر خربة في مسافر يطا، وفق خطة وطنية شاملة تحاصر المستعمرات الإسرائيلية المختلفة، والسيطرة على الطرق الالتفافية، والتمدد في الأغوار الفلسطينية وتعزيز الحضور فيها من خلال خطط وطنية تكتيكية واستراتيجية؛ ومن ثم الذهاب لمؤتمر السلام الدولي لتكريس استقلال الدولة الفلسطينية.
وعلى القيادة أن تفتح القوس أمام قطاعات الشعب ونخبها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية لاشتقاق أشكال إبداعية لتعميق نضالها بكافة الوسائل المتاحة، ولكن وفق خطة مدروسة وبالتكامل مع منظمة التحرير وفصائل العمل الوطني، وبعيدًا عن الغوغائية والشعارات الديماغوجية وصولاً للأهداف الوطنية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها