ما ثمة ميثولوجيا سياسية عند الرئيس محمود عباس أبو مازن، نعني ما ثمة خرافات، وغيبيات، وتحليقات رومانسية، في خطاباته، ومواقفه، وحراكه السياسي، وما ثمة نكران عنده لمعطيات الواقع الراهن، ومعضلاته، ليقرر على نحو بليغ، سبل تسوية هذه المعضلات، ومعالجة آثارها، ولهذا له في هذا السياق في كل مرة القول الفصل، وله دائمًا بطبيعة الحال هذا القول بكل ما يتعلق بفلسطين وقضيتها، وشؤونها، وسبل التصدي لمهمات هذه الشؤون، الداخلية، والخارجية معًا، وعلى قاعدة الثوابت الوطنية المبدئية، والقرار الوطني المستقل، لأن أهل مكة في المحصلة أدرى بشعابها، ولسنا هنا بهذا المثل نعبر عن قطرية ضيقة، وعصبوية شوفونية، وإنما نستدل به لنؤكد تحمل أصحاب القضية لمسؤولياتهم الملقاة على عاتقهم والتصدي لمهمات هذه المسؤوليات وبخاصة أمام أشقائهم العرب الذين هم برؤية الوطنية الفلسطينية، وانتمائها العميق لأمتها العربية، كانوا من أهل مكة أيضًا، وبحكم أن قضية فلسطين، قضيتهم المركزية.
ما أعلنه الرئيس أبو مازن في القمة العربية الطارئة، التي عقدت يوم أمس الأول في القاهرة، من قرارات لافتة وبالغة الأهمية والضرورة، خاصة بشأن بدء العمل على إعاة هيكلة الأطر القيادية لدولة فلسطين، وضخ دماء جديدة في منظمة التحرير الفلسطينية، و"فتح" وأجهزة الدولة، وإصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة "فتح"، والعمل على تعزيز الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير، وعلى أساس الالتزام ببرنامجها السياسي، إلى جانب استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس المنظمة ودولة فلسطين، كل هذه القرارات التي أعلنها الرئيس أبو مازن إنما هي الدليل والتعبير الأمثل، عن حقيقة تحمل أصحاب القضية لمسؤولياتهم الوطنية، والأخلاقية، والتصدي لمهماتها في دروب الإصلاح، والتطوير، والتجديد، وبكونهم الأدرى بشؤون شعاب هذه المسؤوليات، التي تحدث أهل مكة العرب بها، وتشاركوا مع أصحابها، في البحث عن أفضل السبل المحققة لغاياتها المشروعة.
تلقت القمة العربية الطارئة قرارات الرئيس أبو مازن بهذا الشأن بالترحيب، ومن القاهرة غرد الكاتب والصحفي المصري الكبير أشرف أبو الهول معلقًا على هذه القرارات بأنها "ضربة معلم" خاصة ما يتعلق بحركة "فتح"، وتوحيد صفوفها، ولعل هذه القرارات في المحصلة، هي التي أثارت أكثر من غيرها، حفيظة إسرائيل على نحو خاص، لترفض الخطة المصرية الفلسطينية العربية بشأن إعادة الإعمار لقطاع غزة.
والحقيقة فإن هذا الرفض لا يغير من واقع أن الكرة بصدد كل هذه المسألة، باتت في الملعب الإسرائيلي والأميركي طبعًا، رغم أن الرفض الأميركي فيه شيء من التلاعب بالكلمات. فحسب البيت الأبيض، "الخطة العربية، لا تعالج حقيقة أن غزة غير صالحة للسكن حاليًا".
ومن قال إن إعادة الإعمار ينبغي أن تكون في بيئة صالحة للسكن؟ والأهم أن إعادة الإعمار هي لأجل توفير هذه البيئة، والخطة العربية تعمل على تحقيق هذه البيئة وتطويرها، وأكثر من ذلك فإن الرئيس أبو مازن كان قد دعا في خطابه الرئيس الأميركي "ترامب" إلى دعم جهود إعمار قطاع غزة، وبالطبع على أساس عدم تهجير شعبنا منها. وهذا ما يجعل الخطة بمثل هذه الدعوة، ممكنة، لكونها تدعو الكل الدولي، للمساهمة العملية والفاعلة في مهمة إعادة إعمار قطاع غزة.
إنه القول الفصل، ضربة المعلم، وفق بلاغة التعبير المصري، الذي يعني صواب الضربة، وروعتها، وأهميتها، خاصةً وهي تأتي في وقتها ومكانها المناسبين. ولا شيء في كل هذا الإطار يدخل التاريخ غير القول الفصل، ولا تقدم ولا تطور إلا بعد هذا القول.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها