لم تشهد أميركا عزلة سياسية دولية على الصعيدين الرسمي والشعبي كما تشهده حاليًا وبشكل خاص لقيادتها عبر وكيلها الكيان الإسرائيلي المصطنع لحرب الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبوتيرة أقل وحشية بالضفة الغربية خلال الستة عشر شهرًا الأخيرة ولإعلانها بصلافة عن مخططها بإقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه التاريخي بدءًا من القطاع، بأقذر عملية تهجير قسري تحت طائلة القتل لمن يرفض تصفية للقضية الفلسطينية بحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساس المكفولة دوليًا بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وتداعيات ذلك على إمكانية تهديد الأمن القومي الأردني والمصري خط الدفاع الأول عن الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل.

- لماذا العزلة الأميركية:

للعزلة الأميركية السياسية التي نشهد مظاهرها من خلال القرارات الصادرة عن المجتمع الدولي الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني والمنددة والرافضة للجرائم والانتهاكات الإسرائيلية ممثلة بقرارات الجمعية العامة وعن مجلس الأمن لولا الفيتو الذي يحول دون إقراراها وعن محكمة العدل الدولية وعن المحكمة الجنائية الدولية وعن مجلس حقوق الإنسان وعن المنظمات والهيئات الحقوقية الدولية وعن الشعوب المنتفضة بدولها على إمتداد العالم بما فيها أميركا وأوروبا بالرغم من جبروتها وقوتها العسكرية والاقتصادية إلا أنها دلالة ومؤشر على أن أميركا تمر بمرحلة أولى من مراحل الإنهيار وتراجع النفوذ الأميركي على الساحة العالمية حتى على الدول الحليفة كدول الإتحاد الأوروبي التي يقودها الرئيس ترامب بعنجهية والمتمثلة بالعزلة السياسية الدولية الناجمة عن عدد من العوامل منها:

- أولاً: عقلية الإخضاع للدول.

- ثانيًا: السطو المباشر وغير المباشر على ثروات العالم.

- ثالثًا: توظيف الأمم المتحدة ميثاقها وأهدافها وقراراتها خدمة لمصالحها دون اعتبار لمصالح وأمن واستقرار الأطراف الأخرى دولاً وشعوبًا.

- رابعًا: الإزدواجية البغيضة في التعامل مع القرارات الدولية وبتفسيراتها المتناقضة للقوانين الدولية كحق الدفاع عن النفس على سبيل المثال.

- خامسًا: استخدام القوة العسكرية أو التلويح بها لفرض سياستها وتحقيق أهدافها.

- سادسًا: تهديدها الأمن والسلم الدوليين عبر ضرب عرض الحائط بالشرعة الدولية ودعمها وتمكينها  لدول وكيانات مارقة بكل وسائل القوة العسكرية والسياسية والقانونية وتمكينها الإفلات من المساءلة والعقاب عبر استخدام الفيتو خلافًا لفلسفة ومبررات شرعنته كما هو حاصل في تبرير ودعم استمرار الاحتلال العسكري الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليًا وللجولان السورية من جهة ودعمها جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي وضد الإنسانية واستمرار إرتكابها بوحشية لم يسجل التاريخ الحديث مثيلاً لها من قبل الكيان الاستعماري الإرهابي الإسرائيلي تحت ذريعة الدفاع عن النفس خلافًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

- سابعًا: الانسحاب أو التهديد بالانسحاب من هيئات ومؤسسات دولية ووقف الإيفاء بإلتزاماتها المالية والأخلاقية كما حصل مع مجلس حقوق الإنسان ووكالة الأونروا بتحد صارخ للمجتمع الدولي وتنصل من إلتزاماتها وواجباتها كدولة دائمة العضوية بمجلس الأمن مرسلة بذلك رسالة تهديد لباقي المنظمات والهيئات الدولية التي تعبر عن الإدانة والشجب والرفض لجرائم وسياسات الكيان الاستعماري الإسرائيلي العدوانية والتوسعية او للسياسة الأميركية إلتزامًا وإعمالاً لأنظمتها وأهدافها.

- ثامنًا: توظيف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي كأداة ضغط على غالبية الدول الأعضاء بالجمعية العامة للأمم لإرغامها الإنصياع لقراراتها أو لوقف علاقتها مع دول كبرى كروسيا والصين القطب العالمي الآخر المنافس.

- تاسعًا: تقويض مبادئ العدالة والمساواة أمام القانون الدولي المنصوص عليها أيضًا بميثاق الأمم المتحدة عبر استهداف محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وفرض عقوبات على قضاتها وأجهزتها القانونية والإدارية بل وتهديد الدول الملتزمة بإعلاء وسمو واحترام القانون والعدالة الدولية دون ازدواجية وانتقائية.

- لفرض الإرادة الدولية:

التغول والعنجهية الأميركية في التعامل مع غالبية دول العالم وإقصاءها الإرادة الدولية عن مسار تنفيذ القرارات الدولية يتطلب تشكيل قوة مضادة تفرض مصالحها وإرادتها وإلا ستبقى غالبية دول أعضاء الجمعية العامة وشعوبها ضحية لتلك العنجهية بشكل خاص ولأي قوة غاشمة بشكل عام وما القضية الفلسطينية واستمرار الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية المعترف بها من قبل 149 دولة وما يتعرض له الشعب الفلسطيني على مدار 77 عامًا من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سياق حرب إبادة وتطهير عرقي إلا نموذجًا لما قد يحيق بشعوب بعض دول العالم الثالث وفق التصنيف الأميركي والأوروبي.
القوة المضادة آن لها أن تتشكل من جميع الدول المؤمنة بإعلاء وسمو مبادئ الحرية والعدالة والمساواة إعلاءً لقوة الحق ونبذًا لمنطق حق القوة بالتصدي للسياسة الأميركية التي بدت جلية بتصريحات الرئيس ترامب العلنية بضم أراضي دول وتهجير قسري للشعب الفلسطيني ورفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة حرمانًا للشعب الفلسطيني من الحرية والاستقلال وتقرير المصير المكفول بالشرعية الدولية بانتهاكٍ واضحٍ لميثاق الأمم المتحدة وأهدافه بترسيخ الأمن والسلم الدوليين.

القوة المضادة والمطلوبة أمامها سبيلين لتحقيق أهدافها إما تعديل ميثاق الأمم المتحدة وكسر احتكار الصلاحيات التنفيذية المناطة حصرًا بالدول دائمة العضوية بمجلس الأمن وإلغاء حق  الفيتو المصاحب لها وإما بالإنسحاب الجماعي من الجمعية العامة وتشكيل منظمة دولية جديدة تعمل بتجسيد العدالة والمساواة وحقوق الإنسان واقعًا لا شعارًا.
عزل إسرائيل دوليًا وتجميد عضويتها بالجمعية العامة وكافة الهيئات والمؤسسات الدولية ومقاطعة المصالح الأميركية رسميًا وشعبيًا البداية. هذا ليس حلمًا وإنما يتطلب إرادة، وإرادة الشعوب لا تهزم وستنتصر بإذن الله.