بقلم: إسراء غوراني
ليلة الأحد الماضي، توفيت الشابة صابرين العايدي من مخيم الفارعة جنوب طوباس، بعد معاناتها مع المرض. وضعت العائلة جثمان الفقيدة في ثلاجة الموتى في المخيم استعدادا لدفنها صبيحة اليوم التالي.
في تلك الليلة، اجتمع العديد من أفراد العائلة وأقاربهم القادمين من مناطق أخرى في منزل والد الفقيدة، استعدادًا للمشاركة في وداعها وعزائها، لكن مع لحظات الفجر الأولى دفعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتعزيزاتها العسكرية، وطوقت المخيم من جميع الجهات، حيث نفذت اقتحامًا واسعا للمخيم وفرضت حصارًا مشددًا عليه استمر ثمانية أيام حتى الآن، تقطعت خلالها السبل من المخيم وإليه.
تزامنًا مع ذلك، نفذت قوات الاحتلال عمليات تدمير كبيرة في البنية التحتية. عمليات تجريف واسعة نفذتها جرافات الاحتلال المجنزرة لشوارع المخيم وطرقاته قطعت خلالها خطوط المياه الرئيسية عن كامل المخيم، فيما أغلقت جميع مداخله بالسواتر الترابية وفرضت عليه حصارًا مشددًا.
طيلة أيام الحصار، كانت العائلة تحاول بشتى الطرق إخراج جثمان الفتاة من ثلاجة الموتى في المخيم خوفًا من انقطاع الكهرباء عنها، خاصة أن جزءًا من المخيم انقطع عنه التيار الكهربائي.
يقول محمد العايدي شقيق المتوفاة: إن "العائلة حصلت بعد خمسة أيام متواصلة من المحاولات المضنية والتنسيق بواسطة الجهات المختصة على موافقة لإخراج الجثمان، حيث تم إخراجه بواسطة طواقم الإسعاف إلى ثلاجة الموتى في مستشفى طوباس التركي الحكومي، وهناك ما زال يمكث الجثمان بانتظار الدفن في حال فك الحصار عن المخيم والسماح بذلك".
يضيف: نقلنا الجثمان من ثلاجة إلى أخرى، لكن لا نعلم متى سنتمكن من دفن شقيقتنا، نحن نكتوي بنارين، نار فقدان شقيقتنا التي كانت تعاني طيلة سنوات من المرض، ونار حرماننا من توديعها وإكرامها بالدفن طيلة ثمانية أيام حتى الآن.
وفي بلدة طمون المجاورة عايشت عائلة الحاج خالد بني عودة (أبو فايز) ظروفًا مماثلة، حيث توفي أبو فايز يوم الإثنين الماضي خلال مكوثه في أحد مشافي مدينة نابلس.
ونظرًا لأن وفاته كان خلال حصار البلدة المتزامن مع حصار مخيم الفارعة، نقل جثمانه إلى مستشفى طوباس التركي الحكومي بانتظار دفنه، حيث مكث هناك ستة أيام، قبل أن تتمكن العائلة أخيرًا من مواراته الثرى، أمس السبت، بعد انسحاب قوات الاحتلال من البلدة.
يقول فهمي ياسين شقيق المتوفي: "كان أخي يرقد في أحد مشافي مدينة نابلس منذ فترة، ووافته المنية يوم الإثنين الماضي بعد يوم واحد من بداية العدوان على البلدة".
يضيف: "بدأ حصار البلدة وأنا في عملي خارجها وكان شقيقي في المشفى، توفي شقيقي بينما كان أغلب أفراد عائلته محاصرين داخل البلدة، رافقت جثمانه من نابلس إلى ثلاجة الموتى في مستشفى طوباس التركي الحكومي، وكنت أتردد إلى هناك يوميًا وأجلس إلى جوار ثلاجة الموتى".
ويتابع: "عشنا ستة أيام من القهر المضاعف، في كل يوم كان يتأخر فيه دفن شقيقي كنا نشعر بأنه يموت من جديد، بقي جرحنا نازفًا طوال الوقت، وكان أبناؤه وبناته في حالة سيئة، حزن فوق حزن".
بعد دفن جثمان الحاج أبو فايز وقف أفراد عائلته في ديوانهم لاستقبال المعزين. حال الديوان يوحي بمدى وحشية الاحتلال خلال اقتحامه للبلدة، المقتنيات داخله تعرضت للتدمير والتكسير، وصور شهداء العائلة الذين ارتقوا مؤخرًا ممزقة عن جدرانه.
دفن جثمان الحاج أبو فايز في طمون فيما لا يزال جثمان صابرين في ثلاجة المشفى، بينما يعايش ذووها ظروفًا صعبة مع استمرار حصار المخيم، متأملين انسحاب قوات الاحتلال لإكرام فقيدتهم بالدفن.
وكانت قوات الاحتلال قد نفذت اقتحامًا واسعًا لبلدة طمون ومخيم الفارعة منذ فجر الأحد الماضي، وأغلقت جميع مداخل البلدة والمخيم، خلالها دمرت قوات الاحتلال البنية التحتية وقطعت خطوط المياه، كما فرضت حصارًا مشددًا عايش المواطنين خلاله ظروفًا إنسانية صعبة، بسبب انقطاع المياه ونفاد المواد الغذائية والأساسية بما فيها حليب الأطفال وأدوية المرضى.
وبالإضافة إلى ذلك، داهمت قوات الاحتلال عشرات منازل المواطنين، ونفذت عمليات اعتقال للعديد منهم، عدا عن عمليات الاحتجاز والتحقيق الميداني.
وانسحبت قوات الاحتلال من بلدة طمون، أمس السبت، فيما ما زالت تواصل حصارها على مخيم الفارعة وسط إجبار عائلات على النزوح منه قسرًا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها