بقلم: الحارث الحصني
الساعة الثامنة مساء يوم الجمعة في الفارسية بالأغوار الشمالية.
وصل أحمد ضبابات لمسكنه في الخربة بعد رحلة استمرت ست ساعات معظمها متنقلاً بين الطرق الالتفافية، وحاجز الحمرا العسكري بالأغوار الشمالية.
وعند معرفة أن هذه الرحلة في وضعها الطبيعي كانت تأخذ من الوقت نصف ساعة فقط، عبر حاجز تياسير شرق طوباس، ستصيبك الدهشة.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا كل هذا الوقت؟!.
الإجابة هنا.
قبل خمسة أيام أغلق الاحتلال حاجز تياسير شرق طوباس، أمام حركة المواطنين بشكل كامل.
ومع انسحاب الاحتلال من بلدة طمون ومواصلة عدوانه على مخيم الفارعة جنوب طوباس، لليوم السابع على التوالي، أصبح على آلاف المواطنين، من كافة الشرائح، سلوك طرق التفافية تمتد لمئات الكيلومترات، للوصول إلى حاجز الحمرا العسكري جنوب شرق طوباس، أحد حاجزين رئيسيين يفصلان طوباس عن الأغوار.
والأمر يصبح أكثر قتامة حين معرفة أن الطريق من طوباس إلى حاجز الحمرا، دون الطرق الالتفافية لا تحتاج في وضعها الطبيعي أكثر من نصف ساعة.
عندما وصل ضبابات حاجز الحمرا، كانت الساعة قريبة من الثانية بعد الظهر، وأمامه خمس وعشرون مركبة.
لكن عندما اجتاز الحاجز، كانت الثامنة إلا خمس عشرة دقيقة، ومن الحاجز إلى مسكنه، خمس عشرة دقيقة فقط.
يقضي الفلسطينيون ساعات طويلة على الحواجز، في نظام حياة صار متشابهًا لديهم.
وفي الضفة الغربية، حسب أرقام رسمية صادرة عن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان هناك 998 حاجزًا عسكريًا، وبوابة، منها 18 بوابة حديدية نصبها الاحتلال منذ بداية العام الجاري، و146 أخرى نُصبت بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وصار منظر طوابير المركبات عند الحواجز العسكرية التي أصبحت تقسم الضفة الغربية إلى وحدات جغرافية منفصلة، مألوفًا عند الناس.
وقال ضبابات: "إن من النادر الوصول إلى الحاجز ولا تجد أمامك مركبات".
ذاته الشاب الذي يعمل كتاجر لنقل الخضراوات من الأغوار إلى السوق الفلسطينية في الضفة الغربية، يقول: "دخلت لمناطق لأول مرة، كي أصل إلى الحاجز".
يشهد حاجز تياسير الذي أقامه الاحتلال بداية انتفاضة الأقصى، تشديدات عسكرية متفاوتة تتراوح حدتها بين الفترة والأخرى. وتاريخيًا كان نمط الحياة لدى الفلسطينيين مقرونًا بطبيعة المزاج العام عند الحاجز.
لكن منذ ثلاث سنوات على أقل تقدير عاد الاحتلال وهيأ الحاجز مرة أخرى، ليصبح تواجد جنود الاحتلال عليه شبه دائم.
وبالتزامن مع حرب الإبادة التي شنتها إسرائيل ضد شعبنا في قطاع غزة، في السابع من أكتوبر عام 2023، وارتداداتها السلبية على الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية، صار الحاجز ذا سمعة سيئة بين المواطنين.
فإن ما يحدث على الحواجز العسكرية، شيء بات أكثر ألفة لدى المواطنين منذ عامين على أقل تقدير، لكن زادت حدة التشديدات العسكرية منذ بدء سريان وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
إن النتيجة المترتبة على إغلاق الحاجز بشكل كامل لليوم الخامس على التوالي، فيما يتعلق بانتظام الدوام المدرسي في الأغوار الشمالية، كارثية.
ففي أرقام رسمية صادرة عن مديرية التربية والتعليم بمحافظة طوباس، تقول: إن 110 عاملاً في السلك التعليمي من أصل 118 عاملاً، يجب عليهم اجتياز الحاجز لسير العملية التعليمية في سبع مدارس بالأغوار الشمالية.
ومع عدم مقدرة الموظفين الوصول إلى أماكن عملهم في مدارس الأغوار الشمالية، شلل أصاب العملية التعليمية التي يتلقى من خلالها 937 طالبًا وطالبة حقهم التعليمي.
موازاة كل هذه النتائج الكارثية لإغلاق الاحتلال الحاجز، فقد أصبحت الحياة اليومية للفلسطينيين شبه مشلولة، بسبب إغلاقه.
يقول المواطن فارس فقها: "منذ أسبوع لم اتنقل من عين البيضا إلى طوباس، ما دام الأمر ليس ضروريًا فلا حاجة لي بالحركة".
ومثل فقها آلاف المواطنين يعتبرون الحاجز منفسًا وحيدًا، لتقليل الوقت والجهد في حياتهم.
عند صباح نهار اعتيادي قبل أن يُغلق حاجز تياسير، وبينما ينتظر المواطنون بطابور طويل من المركبات، تطل عليهم الشمس من خلف الجبال الشاهقة شرقًا، لكن مع استمرار إغلاقه، فإنه يحجب كل نور يضيء حياة أفضل للفلسطينيين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها