بقلم: عبير البرغوثي
لم تتمالك أم ناصر حميد نفسها ولم تستطع حبس دموعها حين سمعت صوت أبنائها المحررين الثلاثة والمبعدين إلى خارج الوطن، بعدما منعتها سلطات الاحتلال وزوجات أبنائها وحفيدها، من السفر عبر الأردن للقاء أبنائها الثلاثة المحكومين بالمؤبد والذين أفرج عنهم وأبعدوا إلى الخارج، ضمن الدفعة الثانية من المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى.
بكلمات تعتصر ألمًا وتقطر دمًا، تقول خنساء فلسطين أم الشهيدين والأسرى الأربعة: "فرحتي بالإفراج عن أبنائي يصعب وصفها، لكن هناك غصة في القلب مع بقاء ابني إسلام والمحكوم بالمؤبد في الأسر، كما ستبقى فرحتنا منقوصة مع وجود أبنائنا من الأسرى الذين لم يتم الإفراج عنهم، ومن حق أمهاتهم وزوجاتهم وأبنائهم أن يفرحوا بلقائهم أيضًا".
وتؤكد أم ناصر على موقف العائلة الرافض للإبعاد عن الوطن إلى دول أخرى، قائلة: "بأنه واقع مؤلم فرض علينا، ورغم قبولنا رغمًا عنا بالإبعاد، إلا أن سلطات الاحتلال تستكثر علينا فرحتنا المنقوصة وتواصل منعنا من السفر، رغم أنني انتظرت هذه اللحظة على أحر من الجمر لسنوات طويلة".
وتضيف: "خاب أملنا بحرماننا من لقائهم، لكن سيبقى لدينا إيمان برب العالمين أننا سنلتقي بأبنائنا يومًا ما مهما طال البُعد سنحتضنهم وسنعيش معهم، عشت 45 عامًا وأنا بانتظار هذه اللحظة، وسأبقى أنتظر اللحظة".
وتلقت أم ناصر اتصالاً هاتفيًا مع نجلها المحرر محمد، الدموع المنهمرة جعلت من الصعب فهم الكلمات، وهو يحاول أن يشد من أزرها بحمد الله على إخراجه وشقيقيه من الموت إلى الحياة ومن الظلمات إلى النور، فيما هي لم تستطع حبس دموعها ولسانها يلهج بدعوات الرضا عليه وعلى أشقائه.
وقال محمد: "شعور الحرية لا يوصف ولا قيمة للإنسان من دون الحرية".
ويستكمل كلماته: "رسالتي للأسرى رسالة شوق لهم وللقائهم بحكم أنني قضيت معهم سنوات طويلة وكنا مثل الأسرة الواحدة داخل الأسر، وقطعنا شوطًا طويلاً معًا في ظروف قاسية وصعبة واستثنائية كنا نعيشها داخل السجون وأقساها كان بعد 7 تشرين الأول 2024 حتى خروجنا للحرية، وأقول لهم اصبروا ورابطوا، أمنياتي اليوم هي تقبيل يدي أمي وأن أحضن زوجتي وأن أتمكن من العيش مع عائلتي في أقرب وقت ممكن حتى لو كنت في الغربة، ولا أريد أكثر من ذلك".
وردة زوجة محمد أبو حميد التي فرقها السجن عن زوجها المحكوم، تقول: "كان عمر محمد عند اعتقاله 22 عامًا وحكم عليه بالسجن مؤبدين وثلاثين عامًا، قضى منها 23 عامًا حتى لحظة التحرر".
وتضيف: "خطبت لمحمد في 15 أيار 2012، لتبدأ حكاية حب فريدة في وجه المستحيل، تاريخ الخطوبة حدده الشهيد ناصر أبوحميد لعقد قرانهما رغم أنه تاريخ النكبة إلا أنه اعتبره تاريخ بداية فجر الحرية، بعقد قران محمد ووردة بدأت قصة الحب التي تحدت أسوار السجان، تقول وردة: "ارتبطت بمحمد وهو داخل الأسر ومحكوم بمؤبدات وقبلت به زوجًا وحبيبًا وصديقًا أبديًا، رغم بعض الأصوات التي حاولت منعي من الاربتاط بمحمد وعندما اعتقل محمد في عام 2002 كان عمري وقتها 13 عامًا".
وتكمل وردة حكايتها: "محمد خرج في صفقة التبادل الأخيرة ولكن هو الآن حر خارج فلسطين وأنا هنا أسيرة داخلها"، فبعد محاولتين لمغادرة فلسطين إلى الأردن ومن ثم إلى مصر، تم خلالهم إبلاغي أنه لايمكنني المغادرة وهنا شعرت أن هناك سكاكينًا تنغرس في قلبي، هذه مشاعر من الصعب وصفها، هم جعلوا فرحتنا منقوصة، وأوجعوا قلبي بمنعي من رؤية محمد، أنا ومحمد بنينا أحلامنا في فلسطين وقمنا بشراء قطعة أرض لبناء بيت العمر، بنينا أحلامنا داخل وطننا لا خارجه، وأنا أقول لمحمد أنا معك على الموت، ولو كنت مبعدًا سنبني حياتنا كما خططنا لها".
حكاية عائلة أبو حميد تروي عبر صفحات العطاء والصمود الإنساني، صفحة من كتاب الأساطير الخالدة بحكايات الزمن الفلسطيني وبتوقيت القدس وضواحيها، قصة من بين الورود تزدان بها بيوت فلسطين العامرة بحب الوطن، وتستمر الحكاية، نحو أمل بلقاء، وفرح بين الأحبة والأهل، هي يوميات فلسطينية بامتياز.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها