تشير تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول عدم تقديم ضمانات لاستمرار الهدنة، بالإضافة إلى طرح فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأردن ومصر، والسيطرة على القطاع، إلى تحركات خطيرة تفتح شهية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف لتعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة، وتحشيد سياسات أميركية أكثر تشدداً وتطرفاً تجاه القضية الفلسطينية.
وتقود طبيعة المباحثات التي جرت بين نتنياهو وترامب، إلى جانب قراراته الأخير المتمثلة في الانسحاب من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وحظر وكالة الأونروا، وفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، إلى سيناريوهات قاتمة يمكن أن تفرضها تداعيات مستوى التنسيق الأميركي-الإسرائيلي غير المسبوق. حيث يمكن أن يستغل نتنياهو هذا التنسيق لتمديد الحرب وتوسيع نطاقها لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية، وربما تتجاوز ذلك إلى مناطق أخرى، خصوصاً أن الجنرال إيال زامير، الرئيس الجديد لهيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، كان قد أشار إلى أن "عام 2025 سيكون مليئاً بالتحديات العسكرية، وأن الأزمات في غزة ولبنان والضفة الغربية ما زالت مستمرة، بالإضافة إلى استعدادات إسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية".
من جانبٍ آخر، قد تفرض الولايات المتحدة على إسرائيل خيار وقف الحرب، لكن مقابل شروط قاسية تمس الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية، على رأسها حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وهو ما يُشكل تحدياً كبيراً للحقوق الفلسطينية في ظل الضغوط الأميركية والإسرائيلية على الأطراف الفلسطينية والعربية.
وفي ضوء ما سبق ذكره، يصبح التصدي لهذين السيناريوهين أمراً يتطلب تكاتفاً فلسطينياً عربياً يرافقه استجابةً فلسطينية استباقية وليس دفاعية فحسب، وذلك من خلال بناء جبهة موحدة للتصدي للمخططات الإسرائيلية والأميركية، سواء بتشكيل حكومة وحدة وطنية أو إطار تنسيقي يشمل كافة الأطياف السياسية الفلسطينية. كما ينبغي تعزيز الدبلوماسية الفلسطينية على الساحة الدولية وزيادة فعالية المقاومة الشعبية، لضمان مواجهة الاحتلال بشكل أكثر تأثيراً وفاعليّة.
جاء البيان الختامي للاجتماع السداسي العربي الذي نظمته مصر في الأول من شباط /فبراير 2025 وما تبع ذلك من تحشيد شعبي في مصر والأردن، ليعكس موقفاً عربياً موحداً ضد خطط تهجير الفلسطينيين، ودعماً قوياً لحقوقهم. وهي خطوات مهمة في التصدي للضغوط الأميركية والإسرائيلية. ولكن، يبقى السؤال حول مدى قدرة الدول العربية على تحويل هذه الخطوات إلى ضغوط حقيقية وفاعلة على الولايات المتحدة وإسرائيل.
عزّزت مواقف الدول الخليجية مثل السعودية والإمارات الموقف العربي في مواجهة ضغوط ترامب، فالإمارات رغم تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، أكّدت على موقفها الثابت في دعم حقوق الشعب الفلسطيني. وكذلك تمسكت السعودية بموقفها الثابت في دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، وشدّدت على أنه لا مجال لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل قبل تحقيق هذا الهدف. وإذا ما تمسكت الدول الخليجية بمواقفها الرافضة لأي تسوية تضر بالقضية الفلسطينية، فقد يكون لذلك تأثير كبير على استراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة، ما يضطر الإدارة الأميركية إلى إعادة النظر في سياساتها للحفاظ على تحالفاتها ومصالحها.
يُعدّ توحيد الموقف العربي الرسمي خطوة أساسية لصد محاولات فرض واقع جديد على القضية الفلسطينية، ويتطلّب تحقيق هذا الأمر تنسيقاً حاسماً بين الدول العربية عبر الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، مع دعوة الدول المطبّعة مع إسرائيل لإعادة النظر في مواقفها. فإذا ما أقدمت دول مثل الإمارات على خطوة تجميد أو قطع العلاقات مع إسرائيل، فإن ذلك سيشكل ضربة كبيرة لمشروع التطبيع الذي بدأه ترامب، ويعزز الموقف العربي على الساحة الدولية، مما يدعم الحقوق الفلسطينية ويضعف الضغوط الأميركية والإسرائيلية، ويعيد التركيز على القضية الفلسطينية في ظل التحديات الحالية.
كما في كرة القدم كذلك في السياسة، يهيمن الكبار على المشهد، لكن اللاعبين الجدد قد يقلبون الموازين حين تحين لحظتهم. وفي السياق الفلسطيني، لا يقتصر الأمر على النضال من أجل الحرية فحسب، بل يتعلق الأمر بتقديم تعريف عملي لها، يعكس قوة الصمود والتحدي في مواجهة القوى الكبرى، فالفلسطينيون اليوم لا يواجهون محاولات تهجيرهم وتصفية قضيتهم ووجودهم فقط، بل يعملون أيضًا على إعادة صياغة مفاهيم الحقوق والعدالة على مستوى العالم بأسره، مُسطّرين طريقاً جديداً يكون فيه الحق هو البوصلة والحرية هي الهدف الأسمى. وفي هذا السياق، تتطلب المرحلة الحالية وحدة فلسطينية وعربية حقيقية، وحشد القوى الشعبية والدبلوماسية، كي تظل القضية الفلسطينية في قلب المشهد الدولي، وتظل الحقوق الفلسطينية ثابتة لا مساومة عليها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها