مشروع قانون الكونغرس الأميركي الذي أقره ليلة أمس بفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية، يعرض العدالة الدولية إلى السقوط. وليس هذا فحسب إنما ستسقط معها كل القيم الإنسانية، والقيم الديمقراطية التي طالما نقشت رؤوسنا من النظام الدولي وعلى رأسهم الولايات المتحدة.
لا يمكن أن تتغير المفاهيم والقيم من مكان إلى آخر، فتلك الرموز في أي بقعة من الأرض، وفي أي زمان ستبقى تحمل الصفات الوراثية والجينات التي تنقل من جيل إلى جيل ومن مكان إلى آخر. العدالة هي العدالة ولولا العدالة لأصبحت الدنيا غابة سكانها الوحوش الكاسرة القوي يأكل الضعيف، ولا مكان أصلاً للضعفاء.
يمكن أن يتفهم العالم مدى وحجم الصداقة والمصالح التي تكون بين الأفراد، والجماعات لكن لا يمكن أن تكون تلك الصداقات على حساب القيم، والتي تأتي بعلو شأن الإنسان والإنسانية في هذا العالم.
عندما تزور أوروبا والولايات المتحدة، وتشارك أو تدرس أو يتسنى لك أن تطلع على حجم البرامج التعليمية التي تتعلق في الشأن الإنساني، والاجتماعي والأخلاقي. وتلك التي تحمي مبادئ القيم الإنسانية تدهش وتشعر أن هنا في تلك المنظومة فقط تجد عناوين الإنسانية وما تحمله من مبادئ وقيم أخلاقية.
لكن الصدمة الكبيرة عندما يتعلق الموضوع بتطبيق المبادئ والقيم الإنسانية، والقوانين والأنظمة في هذه البلاد الأوروبية والأميركية تجد أن هناك من يصد العدالة والقوانين والأنظمة، بل وأكثر من ذلك إن العدالة هنا تجد بابًا موصدًا. الأوروبيون والأميركان لا تنطبق عليهم المعايير والأنظمة والقوانين، وهي أنشأت لعالم آخر غير عالمهم.
هذا ما يحدث عندما تفرض عقوبات دولية على مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية والبشرية التي تتصف بالنازية والهتلرية، لكنهم من أصحاب الدماء الزرقاء الملكية، والنظام العالمي أحادي القطب هو من يحميهم. يرتكبون جرائم حرب ضد الآمنين والنساء والأطفال، جرائم الإبادة الجماعية، التي يندى لها جبين الإنسانية. وتقوم بإصدار قرارات لفرض عقوبات ضد هيئة العدل التي تعتبر أعلى منصات العدالة الدولية.
العالم يشعر اليوم بالأسف والاشمئزاز، على تلك التصرفات وعلى التعرض لمنظومة العدالة الدولية، وكان اليوم هذا القرار يحث على إقرار شريعة الغاب، وتعطيل مسار العدالة في هذا العالم.
من سيحمي الإنسانية اليوم في هذا العالم؟ وماذا ستقولون للدارسين والباحثين في المنظومة الإنسانية التي تعمل من أجل حماية الأمن والسلم الدولي في هذا العالم، عندما يمر من أمامهم القرارات التي تنكس راية العدالة الدولية؟ أين مصير كل الأكاديميات التي تبجل الإنسان والإنسانية في أوروبا وأميركا. ماذا ستقولون للأساتذة والمدرسين وماذا سيقول هؤلاء للطلبة؟ هل سقطت القيم الإنسانية في هذا العالم؟.
كان بامكانكم ألا تعملوا على تطبيق قرار محكمة الجنايات الدولية، لكن تصدير عقوبات ضد العدالة الدولية، فهذا يعرض العالم إلى تغير في المفاهيم التي تعزز الإنسانية، وقد يصبح العالم غابة يملؤها الشر والداعشية، فلا تتعجبوا من ذلك؟.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها