لم أشهد في حياتي توافقًا وطنيًا وحالة من الرأي العام الفلسطيني مثل تلك التي اجتمعت على قرار إغلاق مكتب قناة الجزيرة، ليس لأن هذا الأمر دعي إليه في كثير من المسيرات، ولكن ما من بيت في فلسطين إلا ويتحدث عن دور قناة الجزيرة الإعلامية في تأليب الرأي العام الفلسطيني، وإظهار القوى الفلسطينية وخاصة السلطة الفلسطينية وحركة "فتح" بأنها قوى سياسية مناهضة للمقاومة وقوى فاسدة وغير ذلك من السلبيات، عدى عن حركة حماس والإخوان المسلمين التي تتبنى الجزيرة توجهاتهم وتؤيد مسيرتهم، إضافة إلى بعض الشخصيات الفلسطينية الأخرى من خارج منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" تحديدًا والسلطة الفلسطينية على وجه الخصوص تمامًا. 
لقد فقدت قناة الجزيرة الرسالة الإعلامية المناطة بها في خدمة القضايا العربية، وهي التي أتت لتسمعنا أفخاي أدرعي وأمثاله أبواق الجيش الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال فإن القناة المذكورة مستعدة لتسمعنا خطاب الناطق الإعلامي للجيش الإسرائيلي "هجاري" بالصوت والصورة ولا تسمعنا كلمة لسيادة الرئيس محمود عباس وهو يلقي خطابًا على منبر الأمم المتحدة، ولعل خطاب الرئيس يأتي في سياق خبر صغير وكأن محمود عباس رئيس دولة من مجاهل إفريقيا أو أميركا اللاتينية، ولا قيمة لحديثه، وهو الذي يحمل هم قضية فلسطين القضية الأولى للعرب والمسلمين.

هذا عدى عن التحريض المباشر وغير المباشر الذي يلمسه المواطن المتابع للقناة. وهذا يعني بكل ما تحمله الكلمة من معنى أن خطاب القناة واضح افتقاده للمهنية. ومع هذا فالشارع والمؤسسة الرسمية الفلسطينية تكن كل احترام وتقدير إلى مدير المكتب في رام الله والمراسلين الصحافيين الذي استُشهد بعضهم أثناء تأديتهم واجبهم المهني والوطني وكشف زيّف الاحتلال بكل شجاعة وبسالة.
صحيح أن حرية التعبير هي أساس الديمقراطية ولكن عندما تلتقي الرسالة التي تخاطب بها القناة الرأي العام الإقليمي والدولي مع الخطاب الإسرائيلي الذي يقوده نتنياهو وسمورتش وابن غافير الموجه ضد السلطة الفلسطينية و"م.ت.ف" والنيل من المشروع الوطني الفلسطيني، بصيغةٍ تشوه الواقع من البرامج التي يعمل بها في فلسطين مثلاً، فهذا يفقد منطقة حرية الرأي والتعبير والديمقراطية ويلتقي مع خطاب العدو. استطيع القول أن ما تقوم به القناة أشبه ما يكون بقصة الأديب الإسباني ميجيل دى سيرڤانتس، "دون كشوت" الفارس الذي يصارع طواحين الهواء، وظن نفسه أنه في مهمة مقدسة، لقتال الأشرار والتنين ، بينما كان مرافقه سانشو يعلم أن ما يقوم به الفارس دونكشوت من وحي الوهم والخيال الذي يعشعش في دماغه، أو من وحي الذين قاموا بتعبئة أفكاره ويخوض مغامراته. وهذه هي القناة التي تريد وفق أهداف تعشعش في سمائها الحفر في الباطن ورسم معالم التغير في الإقليم العربي.

التضليل الإعلامي وجد من أجل زرع الفتنة في أوساط الأمم، ولهذا السبب أوجد الاحتلال وحدة الاستخبارات الإسرائيلية تدعى 8200 مهمتها زرع الفتنة في العالم العربي، وإحباط الشعوب، وقهرها دون الحاجة إلى سلاح وإنما فقط من خلال الإعلام الموجه والمضلل. ألا تكفي شعوبنا ما تتحمله من ويلات الاحتلال، لتعود القنوات الإعلامية لتصب الزيت على النار.

الحقائق هي التي تجد لها مكانًا بين الشعوب وهي محط التقدير والاحترام من كل الناس، والكل يتحمل الحقيقة في سبيل خدمة القضايا العادلة وليس تشويه الحقائق كما يخطط لها وبث السم في العسل للجمهور وليعلم الجميع أن الناعقين كالغربان والبوم كثر بوعي أو بدون وعي، البعض يجهل فنعذر والبعض يعلم ويغرز الخنجر في الصدور فلا عذر ووجبت المسآلة، لقد قتلت الفتنة سيد الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب ومن بعده عثمان بن عفان، ومن بعده علي بن أبي طالب. قاتل الله مثير الفتن وعفانا منها.