في ذكرى مرور ستين عامًا على إنطلاقة حركة "فتح" وقيادتها للثورة الفلسطينية يبقى تساؤلات تدور في أذهان شرائح من الشعب الفلسطيني وكذلك من أبناء الشعب العربي مما دفعني للكتابة عن أهم هذه التساؤلات:

-الأول: هل حققت فتح أهدافها؟

- الثاني: هل لا زالت فتح مؤهلة لقيادة المرحلة بما تحمله من تحديات؟

للإجابة على هذه التساؤلات بموضوعية تتطلب ألا نغفل التأثيرات السياسية والجغرافية والعسكرية التي طرات على المستويين الإقليمي والدولي وإنعكاساتها على الثورة الفلسطينية التي أدت إلى تغييرات أثرت سلبًا بإستثناء معركة الكرامة عام 1968 على مسار النضال الوطني الفلسطيني بإعاقة تحقيق جميع أهداف حركة "فتح" العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني مفجرة الثورة الفلسطينية من عدوان حزيران 1967 مرورًا بمعركة الكرامة المجيدة واجتياح لبنان 1982 وحرب الخليج وانهيار الإتحاد السوفياتي وحلف وارسو إلى واقع الحال من المخطط الأميركي بضمان إخضاع منطقة الشرق الأوسط لهيمنتها ونفوذها إستباقًا لولادة نظام عالمي متعدد الأقطاب.

- الأول: هل حققت فتح أهدافها: للإجابة على ذلك يستدعي أيضًا الوقوف على أهداف الحركة الصهيونية العنصرية المدعومة من قوى الاستعمار العالمي إلى جانب أهداف حركة "فتح".
إذا كان الحكم على تحقيق الهدف الرئيس لحركة التحرير الفلسطينية "فتح" عند انطلاقتها عام 1965 المتمثل بتحرير فلسطين من نير احتلال إسرائيلي استعماري احلالي لمساحة 78% من أرض فلسطين التاريخية وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 فالجواب لا بحكم التغييرات السياسية والجغرافية التي طرأت على الدول المحيطة بفلسطين المحتلة خصيصًا على الواقع الإقليمي لنتائج العدوان الإسرائيلي الذي استهدف كل من الجمهورية العربية المتحدة وسوريا والأردن في 1967 باحتلال باقي أرض فلسطين، "الضفة الغربية وقطاع غزة"، والجولان وسيناء وما نجم عنه من تراجع الخطاب السياسي العربي الرسمي من تحرير فلسطين لإزالة آثار العدوان.

أما أهداف الحركة الصهيونية بأداتها الكيان الإسرائيلي صنيعة الدول الاستعمارية بإقامة دولة يهودية على كامل أرض فلسطين بما يعنيه ذلك من العمل على شن حروب إبادة وتطهير عرقي متدرجة وبأشكال ووسائل متعددة بهدف تهجير قسري للشعب الفلسطيني الذي ينكرون وجوده أساسًا في تناقض مع التاريخ وحقيقته خارج وطنه التاريخي وإدماجه بالمحيط العربي العام كلاجئ مجرد من هويته الوطنية العربية الفلسطينية إعمالاً وتجسيدًا للشعار الاستعماري بأن فلسطين أرض بلا شعب أعطيت لشعب بلا أرض.
ومن الأهداف التي حققتها حركة "فتح" بقيادتها لمنظمة التحرير الفلسطينية وإلتفاف الشعب الفلسطيني بغالبيته الساحقة حول إستراتيجيتها  النضالية نحو إنجاز المشروع الوطني بإنهاء الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية بكافة الوسائل المكفولة دوليًا وفق مشروع النضال الوطني الفلسطيني الذي أقرته منظمة التحرير بمؤسساتها المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي واللجنة التنفيذية التي تمكنت بذلك من إفشال المخطط الإسروأميركي الرامي:

- لتهجير الشعب الفلسطيني

- وتذويب هويته الوطنية ومحوها من سجل القضايا العالمية

- شطب صفة شعب مناضل من أجل الحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس

- إسقاط حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين للتخلص من الشاهد الحي على نتائج جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي مورست ولم تزل بحق الشعب الفلسطيني وباستهداف لمخيمات اللجوء الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها.

- ومن الأهداف التي نجحت في بنائها منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة "فتح" أيضًا هي مؤسسات الدولة داخل أراضي الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال واعتراف 149 دولة من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب وبتأييد 13 دولة وامتناع دولة "الفيتو الأميركي الذي حال دون ذلك" ومن أعضاء مجلس الأمن للإعتراف بدولة فلسطين بكامل الحقوق على حدود الرابع من حزيران 1967 إضافة لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بدوراتها المتعاقبة بدعم حق الشعب الفلسطيني بالحرية وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة ودعم استمرار الأونروا للقيام بأداء عملياتها لحين حل قضية اللاجئين الفلسطينيين تنفيذًا لقرار الجمعية العامة رقم 194 وصدور قرار عن محكمة العدل الدولية بعدم شرعية وقانونية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة ومطالبتها مجلس الأمن والجمعية العامة بالعمل على تفكيك وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري وكافة التغييرات الجغرافية والديموغرافية التي مارستها سلطات الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي بالأراضي المحتلة بإنتهاك صارخ لميثاق وقرارات الأمم المتحدة ولإتفاقيات جنيف عامة والرابعة منها خاصة.
هذه النجاحات التي تحققت تعود لتبني  الاستراتيجية الفلسطينية القائمة على حشد العالم بمواجهة التعنت والصلف الإسرائيلي المدعوم  أميركيًا واستنادًا لقوة الحق الفلسطيني المكفول دوليًا بدعم عربي رسمي وشعبي وفي مقدمتها الأردن والجزائر ومصر والسعودية والكويت ومن الدول الإسلامية والإفريقية وعدم الإنحياز وكافة الدول الصديقة كروسيا والصين والدول الأوربية التي اعترفت بالدولة الفلسطينية ومن دعم شعوب العالم الحرة التي انتفضت ولم تزل مطالبة حكوماتها وقف إنحيازها ودعمها للكيان الإسرائيلي ومنددة بجرائمه وداعمة لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

- هل فتح مؤهلة لقيادة المرحلة: ما تقدم يؤكد على أن منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة "فتح" التي حققت الأهداف المذكورة أعلاه بالرغم من الفارق الهائل بميزان القوة العسكرية والاقتصادية وبالصمود والثبات على أهدافها وعدم التنازل عن الثوابت الأساسية أمام الضغوط والمؤامرات الدولية التي استهدفت تقويض النضال الوطني الفلسطيني ومشروعيته وبحكم العلاقات الأخوية المبنية على التعاون والثقة المتبادلة مع قادة الدول العربية والإسلامية والصديقة كما مع شعوبها والقدرة على تعزيزها وتطويرها قادرة ومؤهلة لقيادة المرحلة القادمة بتحدياتها مع ما تتطلبه من:

- أولاً: الدعوة لعقد المؤتمر الثامن في أقرب وقت ممكن لوضع إستراتيجية عمل نضالية تتوافق وطبيعة التحديات والمتغيرات في المرحلة القادمة إقليميًا ودوليًا داخل الأرض المحتلة وخارجها تعمل على كافة المسارات نحو تحقيق إنجاز الهدف الرئيس بدحر الاحتلال الإسرائيلي الاستعماري وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تنفيذًا للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية الصادرة منذ عام 1947.

- ثانيًا: رفع نسبة تمثيل مشاركة الأقاليم إلى ما لا يقل عن 40% من أعضاء المؤتمر لأهمية التأثير العالمي بدعم نضالنا بأشكاله المكفولة دوليًا.

- ثالثًا: وضع جدول أعمال ملزم للتواصل وبناء الشراكات الفاعلة مع نظرائها من الأحزاب والقوى السياسية والاجتماعية في مناطق إقامتها على امتداد دول العالم لكسب المزيد من أشكال وآليات الدعم الشعبي والرسمي للمشروع الوطني الفلسطيني نحو الحرية والاستقلال والمشاركة بفضح وتعرية الجرائم من قتل واعتقالات تعسفية ومصادرة أراضٍ وتدمير المنازل والممتلكات   وانتهاكات واقتحامات لمدن وقرى فلسطينية تشكل بمجملها جرائم إبادة وتطهير عرقي وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

- رابعًا: توثيق وتفعيل دور الجاليات الفلسطينية والعربية في تعزيز المشاركة والتواصل مع محيطها بمؤسساته ومكوناته.

- خامسًا: العمل على إحياء وبناء لجان وهيئات دعم حقوق ونضال الشعب الفلسطيني وتأطير العمل والتنسيق مع الفعاليات التي انتفضت في أميركا وأوروبا وباقي دول العالم دعمًا لفلسطين وتنديدًا بإسرائيل وجرائمها وبالإنحياز الأميركي والأوروبي الرسمي للعدوان الهمجي الإسرائيلي في قطاع غزة وعموم أراضي فلسطين المحتلة.

ما تقدم يتطلب أيضًا ضخ دماء جديدة بالمواقع القيادية تتمتع بالكفآة والقدرة على إنجاز المهام والأهداف وفق الإستراتيجية الشمولية المعتمدة على كافة الأصعدة والمستويات.
اتسمت علاقة حركة "فتح" المبنية على عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الشقيقة والصديقة مما أكسبها ثقة عالية بالتعامل مع قادة العالم وهذا نهجها الذي يعبر عنه قادتها وما العلاقة الخاصة المميزة مع الأردن قيادة وشعبًا إلا نموذجًا.
فتح كانت وستبقى شعلة النضال الوطني الفلسطيني فقوتها ووحدتها عززت من المشروع النضالي الوطني الفلسطيني الذي لن يتوقف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني حتى دحر الاحتلال الإسرائيلي ونيل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي تهجروا منها عنوة عام 1948.