عين العالم على يناير القادم من العام الجديد الذي نقترب منه، وهو موعد استلام الرئيس الجديد لأميركا مهامه الرئاسية بعد فوزه في الانتخابات، وهو العائد مرة ثانية لكرسي البيت الأبيض بكبرياء المتغطرس المتعجرف، وعنجهيته المعهودة، حيث ذهبت بعض التوقعات إلى أنه سيكرر ما فعله في الدورة الأولى، وأنه سيواصل مخططه القديم برؤيا جديدة، خاصة فيما يتعلق بمنطقتنا وتحديدًا القضية الفلسطينية وصفقة القرن، ومستقبل الشرق الأوسط، وعلاقته مع دول المنطقة القائمة على نهب الثروات والخيرات واستلاب مقدرات ومقومات عالمنا العربي، بينما رجح البعض الآخر بأن سياساته ستكون مختلفة عن السابق، وأنه استفاد من تجربته الأولى، وأنه لم يعد ذلك الترامب الأول، بل إنه سيغير في سياساته وفق المتغيرات الجديدة الحاصلة في المنطقة، وهذه وجهة نظر ضعيفة حتى الآن، لأن ما كشفت عنه تصريحات ترامب التي سبقت تسلمه لمقاليد الحكم، بالتهديد والوعيد والعنجهية المعهودة التي يفاخر بها، منحازًا متذبذبًا لإسرائيل، ومتوعدًا ومهددًا المنطقة برمتها، ومعلنًا عن مواقفه الداعمة للاحتلال، دليل قاطع على أن لا تبديل ولا تغيير في سياساته.

ترامب رجل الصفقات يسابق استلامه لمهامه بالتصريحات الثرثارة، وهو يقدم نفسه كمدافع عن الاحتلال وحكومته، وصديقًا مقربًا لمتهم بجرائم حرب الإبادة والتطهير العرقي، ويتلاقى مع أفكاره في حالة تضامن تام غير مسبوق، لكنه مفهوم فهو يعبر عن تلك العقلية المعروفة ضمنًا من خلال الفترة السابقة لحكمه، والتي قدمت مشاريع للمنطقة لم تقدمها من قبل أي من الحكومات السابقة للولايات المتحدة الأميركية، وكانت خطواته وقراراته شبه المجنونة تضرب وحدة المنطقة، خاصة عندما صار راعيًا لمشاريع التطبيع، وحين مضى في سياسته وكأنه يمتلك السلطة العليا على المنطقة، بل على العالم الذي خاف وارتعب، والكثير من الدول قدمت طاعتها وصغرت، وبكل ما فيه من تبجح ومن عربدة جاهر ويجاهر على غير العادة من غالبية رؤساء البيت الأبيض، الذين كانوا في تصريحاتهم أقل غطرسة منه، ولو لم تختلف سياساتهم.

الصورة الممكن تخيلها عن الفترة القادمة لرئاسة ترامب، بدأت ملامحها في الظهور من خلال التعيينات التي قام بها، ضمن فريقه سواء للبيت الأبيض أو للشرق الأوسط بمن فيهم السفير الجديد القادم إلى تل أبيب، وعدد من المستشارين الموالين لإسرائيل، وهذا يضع الكثير من العراقيل أمام الفلسطيني والقيادة الفلسطينية، وإذا بقيت سياسة ترامب على حالها، فإن العلاقات بين فلسطين وأميركا آخذة بالتوتر أكثر مما كانت عليه، وبالتالي فإن التعامل مع مثل هذه الإدارة الجديدة سيبدو صعبًا بل وأشبه بالمستحيل.

اللحظة الراهنة صعبة وعلى الفلسطيني توخي الكثير من الحذر، خاصة في ظل ما نشهده من متغيرات دراماتيكية لم تكن متوقعة في المدى القصير، وهذا يستدعي التحلي بالحكمة والتمسك بضرورة الوحدة الوطنية، والالتزام ببرنامج واحد موحد وفق رؤيا واضحة مشتركة، وعدم التراخي والبقاء في زوايا الترقب، فالواقع لا يحتمل الحياد أو الترقب، بل يحتاج خطوة نحو الأمام.