رغم التطوّر الكبير الذي حققته وسائل الاتصال عبر الإنترنت خلال الأعوام العشر الماضية، من ظهور لشبكات التواصل الاجتماعي إلى تطبيقات المُراسلة الفورية عبر الهواتف المحمولة، إلى منصّات العمل التشاركي السحابية وكافّة أنواع التطبيقات التي يُمكن أن تتخيلها على الويب أو على الهواتف، إلّا أن البريد الإلكتروني ما زال التقنية الوحيدة التي تعمل كما كانت تعمل من عشرين سنة! وما زالت التقنية الوحيدة التي لا يُمكن أن نستغني عنها مهما تطوّرت تقنيات التواصل الأخرى.
نعم، صحيح أن تطبيقات البريد الإلكتروني تطوّرت بشكل كبير عمّا كانت عنه في السنوات السابقة، وخاصةً بعد ظهور Gmail الذي أضاف ميزات البحث فائقة القوة وجلب لنا ميزة عرض الرسائل البريدية بشكل مُحادثات يسهل تتبعها، بالإضافة إلى ميزات أخرى. بريد Gmail جعل حياتنا أكثر سهولة في التعامل مع البريد الإلكتروني، لكن البريد الإلكتروني بحد ذاته لم يتغير كثيرًا، ولن يتغيّر كثيرًا خلال الفترة المنظورة، لكنه بات يحتاج إلى ولادة جديدة بالفعل!
مهما تطوّرت المنصّات الأُخرى، لكن كل شيء في النهاية يصبّ في بريدك الإلكتروني، رسائل العمل، تأكيدات الحجوزات، فواتير مُشترياتك عبر الإنترنت، الصور التي يُرسلها الأصدقاء، وغير ذلك. نعم، أصبحت هناك منصّات سحابية تتيح للموظفين تبادل الأفكار والصور المتعلقة بالعمل داخل هذه المنصة أو تلك، لكن جميع الرسائل والتحديثات ستصلك منها نسخة إلى بريدك الإلكتروني. نعم تستطيع مُشاهدة فواتير مُشترياتك من آمازون بالدخول إلى حسابك في آمازون حيث تحتاج للضغط على الكثير من الروابط والبحث ضمن القوائم للوصول إلى المكان المطلوب، لهذا ستقوم تلقائيًا بالبحث عن هذه الفاتورة أو تلك في بريدك الإلكتروني لأن هذا أسهل وأسرع، نفس الأمر بالنسبة لتذكرة الطائرة، أو حجز المطعم وغير ذلك. نعم، قد يقوم صديقك برفع الصور إلى “دروب بوكس” ومشاركتها معك ولن يقوم بإرسالها كمرفقات عبر البريد الإلكتروني، لكنك ستتلقى إشعارًا بها في داخل صندوق بريدك.
من أجل هذا، تعتقد غوغل بأن البريد الإلكتروني بات بحاجة إلى إعادة ابتكار من جديد، وتحويله من مكان تتراكم فيه الرسائل بشكل عشوائي، وتُدفن فيه المعلومات الهامّة وسط الغث من الرسائل، إلى منصّة تُبرز أمامك ما هو هام فعلًا بالنسبة لك، وتتيح لك التحكم بالرسائل بشكل يُساعدك في تنفيذ عملك بأفضل شكل مُمكن.
لهذا طرحت غوغل قبل أيام خدمة Inbox، وهي عبارة عن خدمة على الويب، ومتوفرة كذلك بشكل تطبيقات لأندرويد و iOS. الخدمة غير مُتاحة للعموم بعد لكنها متوفرة وفقًا لنظام الدعوات وقد بدأت الشركة بتوزيع الدعوات أمس. كُنّا قد حصلنا على دعوة خاصّة من غوغل لتجربة الخدمة ومراجعتها عند إطلاقها قبل أيام، وآثرنا تجربة الخدمة بشكل فعلي لمدّة يومين أو ثلاثة قبل كتابة المُراجعة.
من أجل هذه المُراجعة قمتُ باستخدام تطبيق Inbox على أندرويد والويب كتطبيق البريد الإلكتروني الرئيسي لدي بدل Gmail، كي أتمكن من اكتشاف كامل ميّزات الخدمة، وكي أرى إن كانت تُسهّل العمل بالفعل، وأيضًا كي أختبر ما مدى قابليتها للاستخدام كبديل عن تطبيقات البريد الإلكتروني التقليدية.
أبرز الميّزات
لدى تشغيل التطبيق لأول مرة تظهر لك عدة شاشات تعليمية تشرح أبرز ميزات التطبيق وتُلخّصها بشكل بسيط:
بمُجرد تجاوزك شاشات التعليمات والدخول إلى الشاشة الرئيسية ستُلاحظ شيئًا مُختلفًا، حيث لن تظهر لك الرسائل بترتيب زمني مثل تطبيق “جيميل”، بل كما تُلاحظ في الصورة التالية قام Inbox من تلقاء نفسه بترتيب الرسائل بالشكل التالي: في الأعلى قام بجمع الرسائل التي يعتقد أنها غير هامّة ضمن مساحة خاص برسالة واحدة كي لا تحتل الكثير من مساحة الشاشة، ويُمكن مُشاهدة هذه الرسائل بالتفصيل عبر الضغط عليها إن شئت. وبالفعل جميع الرسائل التي حددها بغير الهامة ضمن هذا التصنيف هي رسائل قلّما أقوم بفتحها عادةً:
أسفل مجموعة الرسائل غير الهامة، تأتي الرسائل الهامّة، وهي ليست مُرتّبة بحسب ورودها الزمني بالضرورة. الرسائل التي تمتلك إشارة الدبّوس الأزرق في الجهة اليُمنى هي رسائل مُثبّتة pinned تبقى موجودة في الأعلى، واسمها بحسب مُصطلحات Inbox رسائل التذكير Reminders. الفكرة منها هي أنها ستظل موجودة دائمًا أمامك كي لا تنسى الرد عليها. على سبيل المثال قمتُ بتثبيت بعض الرسائل كي لا أنسى الرد عليها أو قراءتها. يُمكنك كذلك إعطاء إسم للمهمّة كي تتذكر ما الذي تُريد فعله بهذه الرسالة أو تلك. دعنا نضغط على إحدى رسائل التذكير ونُلقي نظرة:
هذا تنبيه وصلني على البريد بتعليق أضافه أحد القرّاء يسأل سؤالًا معينًا، قمت بإضافة تذكير كي لا أنسى الرد، وقمتُ بإضافة عنوان لهذا التذكير كي أتذكر لاحقًا ما الذي كنت أعتزم عمله مع هذا التعليق (رد؟ حذف .. الخ).
لابد أنك لاحظت في الأعلى أيقونتان بجانب أيقونة الدبوس، الأيقونة الأولى (علامة التأشير)، الضغط عليها يعني أنك انتهيت من التعامل مع هذه الرسالة، أي أنهيت المُهمة المتعلقة بها ولا تريدها أن تظهر في الواجهة الرئيسية مرّة أخرى. هذا لن يقوم بحذف الرسالة حيث ستبقى مؤرشفة في صندوق بريدك، لكنها فقط لن تُزعجك في الظهور أمامك في كل مرة طالما قد انتهيت من التعامل معها.
الأيقونة الثانية هي أيقونة الساعة، الضغط عليها يتيح اختيار موعد مُعيّن لتذكيرك مرة أخرى بالتعامل مع هذه الرسالة من خلال عدة خيارات متوفرة، منها الجاهز ومنها ما تستطيع إدخاله يدويًا إن أردت، كما تستطيع “اختيار مكان” لتذكيرك بالرسالة أثناء تواجدك في مكان معين:
في حال اخترت وقت مُعين للتذكير، ستختفي الرسالة حاليًا من أمامك لكنها ستعود للظهور في الموعد المُحدد. لكن من حسن الحظ أنك لست بحاجة للدخول إلى كل رسالة لتحديد التذكير أو وضع علامة بأنك قد اطّلعت عليها وانتهيت منها. حيث يُمكنك عمل ذلك من الشاشة الرئيسية بشكل سريع وذلك إمّا عبر الإزاحة من اليسار نحو اليمين للتحديد بأنك اطّلعت على الرسالة ولا تريد أن تراها مرة أخرى، أو الإزاحة من اليمين إلى اليسار لتحديد (غفوة) أي موعد للتذكير.
الأمر الآخر المميز في التطبيق عدا عن كونه يحوّل رسائلك إلى مهام كما شرحنا أعلاه، هي ميزة تجميع الرسائل المُتشابهة التي تُسمّيها غوغل Bundles. حيث يتم تجميع الرسائل التي تنتمي إلى تصنيف مُعيّن ضمن Bundle يتيح لك الاطّلاع عليها جميعًا بسهولة. في الصورة التالية لاحظ وجود تصنيف خاص يُدعى “عمليات الشراء” يجمع مُشترياتي الأخيرة في مكان واحد وواضح.
وتستطيع الوصول السريع إلى جميع الرسائل المُجمّعة Bundles من خلال الضغط على زر القائمة في أعلى الجهة اليُسرى، حيث تستطيع تستطيع الوصول مُباشرةً إلى تصنيفات الرسائل المُتشابهة، مثل المُشتريات، والسفر، والرسائل المالية، كما تستطيع من نفس القائمة عرض رسائل التذكير مثلًا، أو الرسائل التي انتهيت منها، والرسائل التي ستعود للظهور لك لاحقًا (خاصّية الغفوة)، أو حتى الرسائل ذات الأهمية القليلة.
للأسف تغيب خيارات هذه القائمة عن الواجهة العربية للتطبيق. إن كنت تستخدم التطبيق باللغة العربية ستُلاحظ بأن القائمة الجانبية تتضمن خيارات الإعدادات فقط. بما أن هذه نسخة تجريبية من التطبيق فمثل هذه المشاكل متوقّعة وسنقوم بتنبيه غوغل لإصلاح هذه المشكلة.
الآن Google Now في بريدك
لا تقتصر ميزات Inbox على تحويل بريدك الإلكتروني إلى قائمة من المهام والتصنيفات الذكية، بل تقول غوغل بأنها قد تُساعدك في معرفة المزيد من المعلومات المُفيدة حتى لو لم تكن موجودة في بريدك الإلكتروني. على سبيل المثال لو تغيّر موعد طائرتك سيظهر لك الموعد الجديد بشكل بارز ضمن البريد الإلكتروني، وغير ذلك من الميزات الشبيهة والتي تقوم فيها غوغل بجلب المعلومات المُحدّثة الهامة لك، بشكل مُشابه لما تقدّمه خدمة Google Now.
هل يُساعد Inbox حقًا في تنظيم وتسهيل التعامل مع البريد الإلكتروني
الإجابة المُختصرة هي نعم! خاصةً إن كنت ممن يعتمدون على بريدهم الإلكتروني بشكل كبير في عملهم. تحويل الرسائل إلى مجموعة من المهام، وإبراز الرسائل الهامة وتصنيفها، هي أمور قد تجعل حياتك أسهل بالفعل، حيث قد يُخلصك هذا من الرسائل المُتراكمة التي تنسى الرد عليها، ويجعل الوصول السريع إلى رسائلك الهامة أسهل بكثير.
لكن السؤال الآخر هو: هل يصلح Inbox كبديل كامل عن تطبيق Gmail التقليدي؟ هذا يعتمد على مدى اعتمادك على البريد الإلكتروني واستخدامك له. إن كان بريدك هو لاستقبال رسائل النُكات وإشعارات فيسبوك فقد لا يصنع لك Inbox فارقًا. لكن إن كان بريدك مكانًا يصُب فيه كل ما يتعلقك بحياتك فقد تعتاد على Inbox سريعًا لدرجة أنك لن تستطيع العودة إلى تطبيق Gmail التقليدي.
بالنسبة لي فإن حساب Gmail الخاص بي، هو مكان تصب فيه جميع الرسائل القادمة من ثلاثة حسابات أخرى، حسابان للعمل وحساب شخصي. يصلني يوميًا كم كبير من الرسائل، لهذا يأتي Inbox كوسيلة مُناسبة لتنظيم كل هذا وتسهيل متابعته.
عندما بدأت بتجربة Inbox أحسست بأن التعامل مع البريد الإلكتروني بهذه الطريقة (غريب) نوعًا ما، واعتقدت بأن الطريقة التقليدية رغم الفوضى التي تتمتع بها تظل أكثر سرعة مقارنةً بالضغط على خيارات (تذكير) و (غفوة) و (تحديد كمقروء) .. الخ. لكن بعد استخدام لعدة ساعات بدأت أميل للاعتقاد تدريجيًا بأن هذا يُمكن أن يُصبح فعلًا الطريقة الوحيدة التي أُتابع فيها البريد الإلكتروني.
أستخدم Inbox حاليًا على أندرويد والويب. نسخة أندرويد تعمل بشكل ممتاز، في حين أنك تشعر فعلًا بأن نسخة الويب ما زالت (تجريبية) حيث تحتاج غوغل لتطويرها بحيث تُصبح أكثر سلاسة في التنقل بين الرسائل والتعامل معها.
الخُلاصة
لم نتحدث هنا عن كل ما يُمكن الحديث عنه بالنسبة لـ Inbox، إذ لم نُعطِ التصميم الرائع بلغة Material Design البصرية حقه، كما لم نشرح بالتفصيل بعض الميزات الصغيرة، لكن نتمنى أن هذا الشرح قد أعطاك فكرة أوضح حول ما هي Inbox والذي يمكن ان تُساعدك في تحقيقه.
هل ستقوم غوغل تدريجيًا بدمج Inbox مع Gmail؟ لا ندري إن كانت غوغل تُخطط على المدى الطويل لتحويل Gmail إلى Inbox، حاليًا يُمكن أن أجزم بأن الكثير من المُستخدمين لن يُرحّبوا بهذه الخطوة ولن تُخاطر غوغل بإغضاب هذه الفئة من المُستخدمين التي سترى بأن Inbox مُعقد بالنسبة لها. لهذا اتّبعت غوغل هذا الأسلوب الذكي بفصل التطبيقين تمامًا.
تطبيق Inbox هو ولادة جديدة للبريد الإلكتروني. لتجربة التطبيق عليك الحصول على دعوة من صديق. سنحاول تأمين كمية لا بأس بها من الدعوات لتوزيعها على القرّاء، تابع شبكاتنا الاجتماعية لمزيد من التفاصيل لاحقًا. وفي حال أُتيحت لك الفرصة لتجربة التطبيق دعنا نعرف رأيك ضمن التعليقات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها