هنا قاعدة تقول لو حدث الشيء نفسه مرتين فمن الممكن أن تكون صدفة، وأما إذا تكرر نفس الحدث أكثر من مرتين فهذه بكل تأكيد مؤامرة.
وانطلاقًا من هذه القاعدة وتطبيقها على واقعنا الحالي في الشرق الأوسط بشكلٍ عام والمنطقة العربية بشكلٍ خاصة وما حدث قبل سنوات من تغييرات سياسية وسقوط بعض أنظمة الحكم تحت سيطرة ما سمي بثورات الربيع العربي. وفوضى الخلافة والتي أعلنت عنها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في فترة حكم الرئيس أوباما لبسط السيطرة الأميركية الإسرائيلية على الشرق الأوسط وبدون خسائر بشرية.

والآن نجد اتجاه الأنظار نحو الشرق الأوسط حيث الأحداث تتشابه وتتسارع لإنشاء مشروع طويل الأمد يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة خاصة بما يجري في سوريا "حلب وإدلب"  ومع استمرار المحرقة والإبادة الجماعية في قطاع غزة وما جرى في لبنان، كل ذلك يصب في المصالح الأميركية الإسرائيلية.
فمشروع الهيمنة هذا يركز على استدامة الفوضى  وزعزعة استقرار الدول العربية وتصفية القضية الفلسطينية، ويستمر اتجاه الأنظار إلى الشرق الأوسط، حيث تتشابك الأحداث وتتسارع بشكل يعكس مشروعًا طويل الأمد يهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، وعلى استدامة الفوضى وزعزعة استقرار الدول وتصفية قضيتنا الوطنية مع ما تحمله من تهديدات مباشرة لدول أخرى مثل الأردن.

وتسارع الأحداث وبنفس سيناريو الربيع العربي وما يحدث اليوم  ليست وليد الصدفة ولا مجرد تصعيد عابر أو أحداث منفصلة بل هو امتداد لرؤية استراتيجية مخباراتية أميركية وإسرائيلية متشابكة  ومتدحرجة مثل الكرة لخلق شرق أوسط جديد  وفق تصور إسرائيلي يعتمد على تجزئة دول المنطقة العربية وتحويلها إلى دويلات طائفية صغيرة غير قادرة على حماية نفسها، وفق ما أعلنته قبل ذلك بعقدين رايس بخصوص الشرق الأوسط الجديد والفوضى المنظمة ومن ثم "صفقة القرن" ومشاريع الضم الكولنيالي.
وكل هذه المشاريع تهدف بالمقام الأول لتصفية القضية الفلسطينية خدمة للمشروع الصهيوني والتطبيع مع الدول العربية والذي يعد خطوة أساسية لإعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي.

وما الإبادة الجماعية في قطاع غزة إلا جزءً من الهيمنة الاستعمارية وما جرى في السابع من أكتوبر قبل عام  يعكس استراتيجية مدروسة تهدف إلى استنزاف وإجهاض المشروع الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية وخلق واقع جديد يُحوّل القطاع إلى منطقة معزولة وغير قابلة للحياة.
ومن زاوية أخرى تهدف لإعادة احتلال واستيطان القطاع أو فرض سيطرة مشددة تقضي على وجود أبناء شعبنا، ليُثبَتَ لنا أن هذه الحرب ما هي إلا مخطط إسرائيلي يقضي باستخدام القطاع كورقة ضغط لفرض الرؤية الإسرائيلية الاحتلالية في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي والعمل على تحويل سكان القطاع للاجئين يدفعون باتجاه سيناء أو ما يسمى إسرائيليًا "الوطن البديل".
ومع تصاعد الفوضى في المنطقة، يبرز الأردن كهدف محتمل في المشروع الأميركي الإسرائيلي. فموقع الأردن الشقيق الجغرافي ودوره الاستراتيجي في القضية الفلسطينية ودعمه يجعلان منه محورًا حساسًا في أي خطة لإعادة تشكيل المنطقة.

- ترامب والرؤية الأميركية الإسرائيلية

وفي هذا السياق، يبرز التساؤل حول دور الإدارات الأميركية المختلفة في تعزيز هذه الرؤية. فإدارة  ترامب في فترة رئاسته السابقة على وجه الخصوص، أظهرت انحيازًا واضحًا لإسرائيل وتكريسًا متميزًا لتعزيز الشراكة الإستراتيجية، وسعت إلى تسريع تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والضغط من أجل تطبيع العلاقات مع الدول العربية، وتنفيذ "صفقة القرن"، حيث قدمت إدارة ترامب دعمًا غير مسبوق لتحقيق أهداف إسرائيل في المنطقة.

والآن فمن المرجح أن يواصل ترامب هذه السياسات من خلال صفقة القرن٢، والدفع غير المسبوق لتنفيذ التطبيع السعودي الإسرائيلي، ولكن بشكل أكثر عدوانية كما أعتقد.
فترامب يعتقد أن تعزيز الفوضى ودعم إسرائيل بشكل مطلق هما السبيل لضمان الهيمنة الأميركية بمنطقتنا في مواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد واحتواء الدور الإيراني في غياب مشروع عربي موحد.
إسرائيل من جانبها، تستغل هذه الفوضى لتحقيق مكاسب استراتيجية بعيدة المدى. فهي تسعى إلى تحويل مناطق إلى قواعد دائمة لنفوذها، كما هو الحال في كردستان العراق وفي أذربجيان، حيث تعمل على بناء تحالفات جديدة تُعزز وجودها الإقليمي.
هذه الاستراتيجية تعتمد على تحويل دول المنطقة إلى كيانات ضعيفة ومنقسمة، مما يسمح لإسرائيل بتثبيت هيمنتها وتوسيع نفوذها دون مواجهة تهديدات كبيرة.

ولكن هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها مخاطر كبيرة، ليس فقط على استقرار المنطقة، بل على السلم والأمن الدوليين. فالفوضى الممنهجة قد تؤدي إلى تصاعد الصراعات وتحولها إلى حروب شاملة يصعب احتواؤها خاصة مع ما يجري من حرب بالوكالة ضد روسيا من خلال أوكرانيا والتهديدات الأميركية في بحر الصين.

لذلك، تتطلب المرحلة رؤية إقليمية موحدة وإرادة سياسية فلسطينية وعربية واضحة ومتماسكة لمواجهة هذا المشروع ولفرض وقف العدوان على غزة باعتبارها جزءًا من الوطن الفلسطيني الواحد، الأمر الذي يتطلب تجسيد الوحدة بين الكل الفلسطيني في إطار منظمة التحرير والعمل على استنهاضها وإصلاح نظامنا السياسي بشكل ديمقراطي. وعلى دول المنطقة أن تتبنى استراتيجية مضادة تستند إلى مقاومة هذه المشاريع وتعزيز التحالفات الإقليمية العربية والإسلامية بل ومع الدول الصديقة وبالمقدمة منها الصين وروسيا في كافة المسارات السياسية والمحافل الدولية حتى نتمكن من مواجهة التحديات الصعبة التي تواجه حقوقنا الوطنية غير القابلة للتصرف، كما ودعم الدول العربية بآليات عملية واضحة تستهدف هذه الحروب والفوضى، وما سيعمل عليه الاحتلال من مشروع الضم لأغلب مساحة الضفة الغربية وخلق المعازل الجغرافية. فقط من خلال هذا النهج يمكن كسر الحلقة المفرغة للفوضى المنظمة وإفشال المخططات الرامية إلى تغيير الخرائط السياسية والجغرافية في الشرق الأوسط.