بقلم: عبد الباسط خلف
تستلقي صورة بالأبيض والأسود تعود إلى عام 1940 على جدار نادي جنين الرياضي، وتبوح لقطة لفريق كرة قدم بالكثير من التفاصيل الشاهدة على حياة المدينة قبل النكبة، وتنقل إصرار مجموعة من شبانها على تشكيل مؤسسات عامة فيها تسبق الاحتلال.
وجلست المديرة التنفيذية للنادي يسرى أبو الوفاء، في صالة متفرعة عن أحد أقدم الأبنية القائمة في جنين كلها، وأحيطت بكؤوس رياضية، وأمامها العديد من الملفات، لكنها استهلت من الصورة الأقدم للنادي، التي التقطت خلال مباراة في مدينة بيسان، الجارة الشرقية اللصيقة.
واستعادت أسماء اللاعبين، الذين كتبوا بخط أزرق خلفها، ففيها حلمي المنصور، وسعيد الراشد عبد الهادي، حارس عرين النادي، وبجواره محمد سليمان يونس، وأحمد كامل السعدي، وصاحب مركز هجوم الوسط عبد القادر سليمان يونس، وعلى مقربة منه ياسين رشيد، ومعهما صاحب مركز الدفاع القادم من الخليل عدنان طهبوب، ثم محمد المسعود، وبجانبه فايز المنصور، وبعدهما مختار العبوشي، ورجا المنصور.
- بيت تاريخي
وأشارت أبو الوفا، إلى أن المبنى الحالي للنادي مستأجر من عائلة العبوشي منذ 54 عامًا، وهو بيت كبير أقامته الأسرة عام 1920 في أطراف البلدة القديمة، وقبلها كان مسكونًا من عائلة تركية، قبل نهاية الحكم العثماني.
وأكدت أن النادي الحالي حقق بطولات عديدة منها وصوله إلى درجة المحترفين عام 2011، ونفذ أنشطة عديدة في السياق الاجتماعي والثقافي والشبابي، الذي تقوده هيئة إدارية من 9 من أبناء المدينة بينهم أكاديميون ورجال أعمال وشخصيات عامة، وتديره اليوم سبع سيدات، إضافة إلى عدة إداريين.
وتبعًا لأبي الوفا، فإن النادي ترك بصمة في تاريخ المدينة وحقق أرقامًا محترمة في كرة السلة وكرة القدم، واستطاع الفوز بمنافسات المصارعة الحرة، ويقدم اليوم برامج لتطوير المهارات المهنية، عدا عن التفريغ النفسي للنساء، والتطريز، والشمع، والخرز.
- ناد ملاحق
فيما توقف رئيس النادي الأسبق، جهاد أبو سرور، مع الصورة أيضًا، وأفاد بأن المؤسسة الرياضية أعيد افتتاحها عام 1992، بعد قرار الاحتلال إغلاقه خلال منتصف الثمانينيات، كرم الأحياء الظاهرين في الصورة، من بينهم الشيخ أحمد كمال السعدي، الذي تحدث كثيرًا عن ذكريات التأسيس، وأصبح رئيس بلدية المدينة، وظل آخر الراحلين من بين أعضاء الفريق.
وأضاف: أنه "التقى بمن بقوا على قيد الحياة مطلع التسعينيات، كمحمد سليمان يونس أو (أبو سمير البوليس كما كان معروفا)، وأبو حسني اليونس، ومحمد المسعود". والمصادفة أن ياسين رشيد لاعب الفريق عام 1940 عاد إلى النادي عام 1992، وسأل عن الصورة، وقبل أن يشاهدها أخبر أبو سرور بأنه كان يرتدي قبعة، وعندما رأى نفسه تبرع بـ 100 دينار للنادي، لكنه توفي بعد نحو عام من زيارته.
واسترد أبو سرور قرار الاحتلال عام 1985 إغلاق النادي، بدعوى خروج خلية مسلحة من أعضائه، ووقتها جرى اتلاف أرشيف النادي ومقتنياته العتيقة وكؤوسه.
- مجد ضائع
وقال بحسرة: إنه "لا ينسى العودة إلى مقر النادي عام 1992، ويومها شاهد الدمار والركام في المبنى، وتحته ذكريات عريقة وتاريخ طويل، وبطولات كثيرة ظفر بها النادي قبل النكبة وبعدها، ولم يبق منها غير كأس قدمه السيد محسن حسن، لبطولة أقيمت عام 1980 تعود إلى الفوز على نادي سلفيت".
ووفق السارد، فقد كان عدد سكان المدينة قليلاً جدًا، وكان مركزها محصورًا في البلدة القديمة، بينما جرى استئجار المقر الحالي عام 1970 على تخوم "السيباط"، وعام 1940 كان النادي في بدايات البلدة القديمة المعروفة بـ"دخلة موسى المحمود" القريب من شارع نابلس، واستمر حتى الستينيات.
ولخص أبو سرور، الذي كان مشرفًا رياضيًا قبل رئاسة النادي، أعمال "جنين الرياضي" قبل النكبة والنكسة، وأشار إلى أنها كانت محصورة في الأنشطة الرياضية، وبعض البرامج الثقافية، وقد ساعد وجود عدد من العاملين في مؤسسات جنين من خارج أبنائها في تطوير النادي كلاعب الدفاع في الفريق عدنان طهبوب، من الخليل.
وتفاخر الراوي بأن جنين سبقت الكثير من المدن الفلسطينية في تأسيس ناديها، كما أن إقامته كانت قبل نيل الكثير من الدول العربية لاستقلالها أو قبل إقامتها.
وتحسر أبو سرور على فقدان أرشيف النادي، الذي يعود إلى 84 عامًا إلى الوراء، وتمنى لو كان حاضرًا كالبطولات التي حصل عليها، والصور التي التقطها، والوثائق الأخرى التي تكتب سيرة رياضية عريقة للمدينة.
وأشار إلى عمليات دمج نهاية التسعينيات بين نوادي جنين جمعت النادي الإسلامي والنقابات ونادي أهلي جنين، الذين تحولوا بفترة قصيرة لنادي اتحاد جنين، استمرت نحو أربع سنوات، وعاد "جنين الرياضي" بهويته السابقة.
وأنهى بأن ما يسمى الحاكم العسكري طالب إدارة النادي بتغيير اسمه، مقابل حصوله على دعم مالي، لكن الهيئة الإدارية رفضت، وردت بأنه ليس من حقها التصرف بجزء من تاريخ المدينة وذكرياتها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها