يفترض أن تتسم الرياضة في العالم بعزوفها، وعدم ارتباطها بالسياسة، وتنأى اتحاداتها الدولية والقومية ومؤسساتها وفرقها بمختلف مجالات اختصاصها بالابتعاد عن الصراعات السياسية، بيد أن الوقائع والشواهد الماثلة أمامنا تقول غير ذلك، فدول الغرب الرأسمالي شوهت صورة الرياضة، وعكست خياراتها السياسية في الملاعب والمباريات كافة، وعملت بشكل منهجي ووفق تخطيط مدروس في الزج بالسياسة في مناحي الرياضة وميادينها المختلفة، وتدخلت عن سابق تصميم وإصرار على فرضها بأشكال وأساليب متعددة، إن كان من خلال مقاطعة فرق بعينها نتاج خلافاتها وصراعاتها مع دول بعينها، كما حدث من مقاطعة وحرمان الفرق الروسية في المشاركة في الأولمبياد الأوروبي والدولي، أو عبر فرض الفرق الإسرائيلية في اللعب مع فرق عربية أو إسلامية بشكل مقصود ومتعمد بهدف التطبيع، وإن امتنعت الفرق أو الرياضيين من تلك الدول اللعب مع أندادهم الإسرائيليين، يتم حرمانهم من اللعب والمشاركة في المباريات الدولية، ويتم عزلهم بشكل متعمد وهادف، لإرغامهم على القبول بمشيئتهم السياسية.
وبالنتيجة فإن الرياضة ليست بعيدة عن الحسابات السياسية، لا بل إنها منغمسة حتى النخاع بالخلفيات السياسية، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، ويخطئ من يعتقد، أن مجالاً من مجالات الحياة معزول عن السياسة. لأنها كما الملح في كل أنواع الأكل، وكما الهواء الضروري لحياة الإنسان والمكان والطبيعة، وواهمٌ من يفترض أن الرياضة ليست لصيقة الصلة بالسياسة، وبالتالي المقولات النظرية عن فصل السياسة عن الرياضة، لا تعدو عن كونها مقولات وهمية.

ما تقدم له علاقة بما شهدته أمستردام العاصمة الهولندية يوم الخميس السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي في مباراة الدوري الأوروبي بين فريقي أياكس أمستردام ومكابي تل أبيب، والتشهير والتحريض الهولندي والأوروبي والإسرائيلي على أنصار السلام وداعمي القضية والشعب الفلسطيني، رغم أن من بدأ بالجريمة هم مشجعي الفريق الإسرائيلي، الذين مزقوا العلم الفلسطيني، وقاموا بالاعتداء على حرمات منازل الهولنديين الذين رفعوا العلم على شرفات منازلهم.

وتلا ذلك بأسبوع بالضبط، أي يوم الخميس الرابع عشر من الشهر الحالي، في المباراة بين منتخبي فرنسا وإسرائيل في استاد دو فرانس، التي حضرها كل من رؤساء فرنسا، الحالي مانويل ماكرون، والسابقين ساركوزي وهولاند إلى جانب السفير الإسرائيلي، وعددًا من الشخصيات الرسمية الفرنسية في ممالأة فاضحة وقبيحة لإسرائيل، والتي حسب وصف العديد من المنابر الإعلامية الفرنسية، كانت "أشبه بكل شيء إلا أن تكون مباراة كرة قدم"، وأكدوا أن ما فعله اللاعبون في إطار الجولة الخامسة من دوري الأمم الأوروبية، وأمام آلاف محدودة من الجمهور المختار بعناية لم يتجاوز عددهم 16600، مع أن الملعب يتسع لثمانين ألف مشجع، كان الفصل الأخير من "مباراة" أوسع سياسيًا وإعلاميًا يخوضها اليمين الفرنسي والسلطات الفرنسية منذ أيام لصالح إسرائيل الخارجة على القانون.
ولحماية المباراة التافهة والباهتة والمشبعة بالعنصرية، ومساندة ودعم دولة الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني، جيشت الشرطة الفرنسية أربعة آلاف شرطي وعنصر أمن داخل الملعب وفي محيطه، و1500 شرطي آخرين في وسائل النقل العام، ولم تحاول فرنسا استحضار تجربة بلجيكا، التي ألغت مباراة سابقة مع فريق إسرائيلي خشية التداعيات المشحونة بالتوتر في الشارع البلجيكي، وأصرت فرنسا على إجرائها، ليس هذا فحسب، إنما حضر رؤساء فرنسا الثلاثة بشكل تهريجي فاضح، وقال الرئيس ماكرون في لقاء مع قناة "بي. إف.إم": "لن نستسلم لمعاداة السامية، ولن ينتصر العنف ولا الترهيب في أي مكان، بما في ذلك الجمهورية الفرنسية". في تواطؤ معيب ومتهافت مع الإبادة الإسرائيلية الجماعية على الشعب العربي الفلسطيني. لا سيما وأن العاصمة باريس شهدت عشية المباراة يوم الأربعاء مظاهرات مؤيدة لفلسطين وفعالية أخرى أقامتها منظمة "إسرائيل للأبد" في مكان سري دعمًا لإسرائيل، حيث كان من المفترض أن يحضر الوزير النازي سموتيريش المباراة، لكنه ألغى حضوره قبل ساعات قليلة خشية على حياته، مما خلق مناخًا مشحونًا ومتوترًا في فرنسا.

وتعقيبًا على حضور الرؤساء ماكرون وساركوزي وهولاند المباراة، أكد رئيس لجنة المالية في البرلمان الفرنسي، إريك كوكرال، أن قبول استقبال مباراة إسرائيل–فرنسا يعتبر رسالة غير مشرفة نظرًا لما يحدث في غزة ولبنان. وأضاف: "لا أشعر بالفخر باحتضان مقاطعتي الفريق الإسرائيلي". وتابع أن حضورهم المباراة، هو رسالة لإسرائيل مفادها: يا نتنياهو واصل مجازرك وجرائمك في غزة ولبنان".
كانت مباراة الفريقين ضعيفة ونتنة برائحة سياسية فجة ووقحة، تعكس فجور الغرب الرأسمالي، وانحيازه الاعمي لإسرائيل الاستعمارية والمارقة، أداة الغرب وعصاه الغليظة في الوطن العربي. لكن شعوب الدول الغربية في معظمها تقف إلى جانب السلام وتدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهي عنوان الرهان على مستقبل أوروبي وأميركي أفضل.