في الظروف السياسية المعقدة السائدة في المنطقة، فإن الاتصال بين الرئيس محمود عباس والرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب يكتسب أهمية خاصة، فهو مؤشر أن ترامب يؤمن بأن أي سلام في المنطقة يحتاج إلى القيادة الوطنية الفلسطينية الشرعية المعترف بها، وأنه بحاجة إلى الأخذ بالاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني في أي عملية تطبيع وسلام في المنطقة، وحتى إذا كان هناك نية لخلق شرق أوسط جديد بالضرورة أن تكون دولة فلسطينية موجودة فيه. ولكن ومع هذه المؤشرات المهمة، علينا أن لا نرفع كثيرًا من سقف التوقعات، ونغلب الرغبات على الواقع، ولكن أن يتم التواصل هو أمر إيجابي في وقتٍ تمر فيه القضية الفلسطينية في ظرف مصيري.
ما يعنيه الاتصال أن لا نية لدى ترامب بالإقصاء، أو الإلغاء، وأن للشعب الفلسطيني عنوانًا واحدًا يتم التعامل معه، وما يعنيه هذا التطور أيضًا أن الرئيس محمود عباس نجح في حماية الكيانية الوطنية السياسية للشعب الفلسطيني في أصعب وأدق الظروف، فهو لم ينجر إلى أية مغامرة غير محسوبة، ولم تغره الشعارات والمزايدات، كما لم تثنه الضغوط عن سياسته وتمسكه بنهج السلام، وهذا ما قد يوفر للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية موقعًا في المستقبل، ويمكن توضيح ذلك بلغة أخرى فقد نجح الرئيس محمود عباس في إنقاذ القضية الفلسطينية من الطمس مجددًا بعد نكبة قطاع غزة ولماذا علينا ألا نبالغ في سقف التوقعات لأننا نعلم أن الأمور لا تجري بهذه البساطة. فالمؤثرات السلبية قد تكون أكثر بكثير من الإيجابية، فهناك على الجانب الآخر نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، والتي لديها مخطط وقرار لتصفية القضية الفلسطينية، وهناك تعقيدات داخل الولايات المتحدة ذاتها، فالتيار المناوئ للشعب الفلسطيني قوي في المحيطين بالرئيس ترامب. وعلى الجانب الآخر هناك ضرورة لوجود موقف عربي موحد، أقله من الدول العربية الرئيسية المؤثرة السعودية، مصر، الأردن، دول الخليج، وقبل ذلك أن تتخلى حماس عن رهاناتها التي ثبت فشلها في أن تكون بديلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأن الانضمام للمنظمة يقتضي الموافقة على برنامجها السياسي في إطاره العام، والاعتراف بأن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
هناك مؤشرات إيجابية، يأتي في مقدمتها الموقف السعودي المتمسك بالدولة الفلسطينية كأساس لأي سلام قابل للاستمرار في المنطقة، وكذلك مواقف كل من مصر والأردن، فالدولتان تتمسكان بالكيانية السياسية الوطنية للشعب الفلسطيني، وترفضان قطعًا مخططات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة والضفة. أما الدول الأوروبية فهي تتمسك بحل الدولتين، وتعمل على المحافظة على السلطة الوطنية الفلسطينية، وترفض أي خطوات أحادية سواء في القدس أو ما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، أو مخططات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على أي جزء من أراضي الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع.
ولعل الأهم هو تحرر الرئيس المنتخب من أية صغوط، فهو فاز فوزًا ساحقًا، وهذه ولايته الثانية والأخيرة، وبالتالي هو أكثر حرية بالتصرف. فالجميع ينتظر هذا الرئيس المعروف عنه قوة التصميم، هذا الرئيس الذي يتمتع بهامش واسع من حرية التصرف كيف سيتصرف، دون أن يلغي ذلك معرفتنا الدقيقة بطبيعة هذا الرئيس وتوجهاته الداخلية والخارجية، ولكن ليس هناك في السياسة أحكام مسبقة وثابتة. وأن مسؤولية كبيرة تقع على عاتقنا في كيف سنتصرف نحن لنحقق للشعب الفلسطيني ما يمكن والمحافظة على القضية الفلسطينية في المرحلة القادمة، وهي مرحلة ستكون صعبة ومعقدة.
ما يطمئن هو أن القيادة الفلسطينية تدرك ذلك وهي تتصرف وفقًا لذلك، يبقى أن يتصرف الكل الفلسطيني بمسؤولية لنعبر بالقضية الفلسطينية نحو المستقبل ومنع تصفيتها بأي شكل، وبأي وسيلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها